فإن قلت: لا شكّ أنّا إذا ذهلنا عن الإتيان بالفعل و ظننّا أو جزمنا بعدم الإتيان و لم نأت به [2] ثانياً فإنّا نستحق العقاب بذلك الترك، فظهر أنّ الإتيان حينئذٍ إنّما هو مقتضي التكليف، و ثبت أنّ الوضوء الثاني امتثال للأمر.
قلت: على تقدير استحقاق العقاب بالترك لا نسلّم حينئذٍ أنّ التكليف الشرعي ثابت، بل إنّما هو بمقتضى حكم العقل، أ لا ترى أنّه على تقدير الإتيان بالمأمور صحيحاً أيضاً لو ذهل عنه فإنّه يحكم بلزوم الإتيان ثانياً و استحقاق العقاب بتركه، مع أنّه لا شكّ في سقوط التكليف الشرعي حينئذٍ البتة.
لكن لا يبعد أن يقال: إذا ورد أمر بشيء بدون تقييده بشرط، فالظاهر اقتضاء الأمر ذلك الشيء على جميع التقادير، و عدم الرخصة في تركه على حال، و هذا إنّما يستلزم استحقاق العقاب على عدم الإتيان به على جميع الأحوال، إذ لو لم يستحق العقاب على حال فلم يرد الآمر ذلك الشيء منه على تلك الحال و إنّما يتقيد ذلك الأمر بشرط باعتبار حكم العقل أو تقييد من [3] الآمر، و عند ذلك يسقط استحقاق العقاب أيضاً [لو] لم يأت به، على تقدير فوات ذلك الشرط، و أمّا بدونهما فلا.
و إذا تقرّر هذا فنقول: إنّ الأمر قد ورد بالوضوء مطلقا بدون تقييد، فيكون مقتضياً له على جميع الأحوال، و يستحق العقاب بتركه أيضاً على جميعها، لكن قد