نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 60
قال زعموا أنّ تاجرا كان له في منزله خابيتان إحداهما مملوءة حنطة و الأخرى مملوءة ذهبا، فترقّبه بعض اللّصوص زمانا حتى إذا كان بعض الأيّام تشاغل التّاجر عن المنزل فتغفّله [1] اللّصّ و دخل المنزل و كمن في بعض نواحيه، فلمّا همّ بأخذ الخابية التي فيها الدّنانير أخذ التي فيها الحنطة و ظنّها الّتي فيها الذّهب، و لم يزل في كدّ و تعب حتى أتى بها منزله فلمّا فتحها و علم ما فيها ندم.
قال له الخائن: ما أبعدت المثل و لا تجاوزت القياس و قد اعترفت بذنبي و خطئي عليك، و عزيز [2] عليّ أن يكون هذا كهذا، غير أنّ النّفس الرّديئة تأمر بالفحشاء [3] ... فقبل الرّجل معذرته و أضرب [4] عن توبيخه و عن الثّقة به، و ندم هو عند ما عاين من سوء فعله و تقديم جهله.
و قد ينبغي للنّاظر في كتابنا هذا أن لا تكون غايته التّصفّح لتزاويقه [5] بل يشرف على ما يتضمّن من الأمثال حتى يأتي على آخره، و يقف عند كلّ مثل و كلمة فيعمل فيها رويّته و يكون مثل الإخوة الثلاثة الذين خلّف لهم أبوهم المال الكثير فتنازعوه بينهم [6] فأمّا الابنان الكبيران فإنّهما أسرعا في إتلافه و إنفاقه في غير وجهه، و أمّا الصّغير فإنه عند ما نظر ما صار إليه أخواه من إسرافهما و تخلّيهما [7] من المال أقبل على نفسه يشاورها و قال: يا نفسي إنّما المال يطلبه صاحبه و يجمعه في كلّ وجه لبقاء حاله و صلاح معاشه و دنياه و شرف منزلته في أعين النّاس و استغنائه عمّا في أيديهم و صرفه