نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 61
في وجهه من صلة الرّحم [1] و الإنفاق على الولد و الإفضال على الإخوان، فمن كان له مال و لا ينفقه في حقوقه كان كالّذي يعدّ فقيرا و إن كان موسرا [2] و إن هو أحسن إمساكه [3] و القيام عليه لم يعدم أمرين: من دنيا تبقى عليه... و حمد يضاف إليه، و متى قصد إنفاقه من غير الوجوه التي حدّت [4] لم يلبث أن يتلفه و يبقى على حسرة و ندامة، و لكنّ الرّأي أن أمسك هذا المال فإنّي أرجو أن ينفعني اللّه به و يغني إخوتي على يدي فإنّما هو مال أبي و مال أبيهما، و إنّ أولى الإنفاق على صلة الرّحم و إن بعدت فكيف بأخويّ.. فأنفذ فأحضرهما و شاطرهما ماله.
و كذلك يجب على قارئ هذا الكتاب أن يديم النظر فيه من غير ضجر و يلتمس جواهر معانيه و لا يظنّ أنّ نتيجته الإخبار عن حيلة بهيمتين أو محاورة سبع لثور فينصرف بذلك عن الغرض المقصود، و يكون مثله مثل الصّيّاد الذي كان في بعض الخلجان [5] يصيد فيه السمك فرأى ذات يوم في الماء صدفة تتلألأ حسنا فتوهّمها جوهرا له قيمة، و كان قد ألقى شبكته في البحر فاشتملت على سمكة كانت قوت يومه فخلاّها و قذف نفسه في الماء ليأخذ الصدفة، فلمّا أخرجها وجدها فارغة لا شيء فيها ممّا ظنّ، فندم على ترك ما في يده للطّمع و تأسّف على ما فاته، فلمّا كان اليوم الثّاني تنحّى [6] عن ذلك المكان و ألقى شبكته فأصاب حوتا صغيرا و رأى أيضا صدفة سنيّة [7] فلم يلتفت إليها و ساء ظنّه بها فتركها، فاجتاز [8] بها بعض الصّيّادين فأخذها فوجد فيها درّة تساوي أموالا، و كذلك الجهّال إذا أغفلوا أمر التّفكّر في هذا الكتاب و تركوا الوقوف على أسرار معانيه و الأخذ بظاهره دون الأخذ بباطنه، و من صرف همّته إلى النّظر في