نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 224
و الجسّ لعروقه و معرفة طبيعته و سبب علّته، فإذا عرف ذلك كلّه حقّ معرفته أقدم على مداواته. فكذلك العاقل لا ينبغي له أن يصطفي أحدا و لا يستخلصه إلاّ بعد الخبرة، فإنّ من أقدم على مشهور العدالة من غير اختبار كان مخاطرا في ذلك و مشرفا منه على هلاك و فساد، و مع ذلك ربّما صنع الإنسان المعروف مع الضّعيف الذي لم يجرّب شكره و لم يعرف حاله في طبائعه فيقوم بشكر ذلك و يكافئ عليه أحسن المكافأة، و ربّما تحذّر العاقل من النّاس و لم يأمن على نفسه أحدا منهم، و قد يأخذ ابن عرس فيدخله في كمّه و يخرجه من الآخر كالذي يحمل الطّائر على يده فإذا صاد شيئا انتفع به و أطعمه منه، و قد قيل لا ينبغي لذي العقل أن يحتقر صغيرا و لا كبيرا من النّاس و لا من البهائم، و لكنّه جدير بأن يبلوهم و يكون ما يصنع إليهم على قدر ما يرى منهم و قد مضى في ذلك مثل ضربه بعض الحكماء. قال الملك: و كيف كان ذلك؟
قال الفيلسوف: زعموا أنّ جماعة احتفروا ركيّة [1] فوقع فيها رجل صائغ و حيّة و قرد و ببر [2] و مرّ بهم رجل سائح فأشرف على الرّكيّة فبصر بالرّجل و الحيّة و القرد و الببر ففكّر في نفسه و قال: لست أعمل لآخرتي عملا أفضل من أن أخلّص هذا الرّجل من بين هؤلاء الأعداء، فأخذ حبلا و أدلاه إلى البئر فتعلّق به القرد لخفّته فخرج، ثمّ أدلاه ثانية فالتفّت به الحيّة فخرجت، ثمّ أدلاه الثّالثة فتعلّق به الببر فأخرجه، فشكرن له صنيعه و قلن له: لا تخرج هذا الرّجل من الرّكيّة فانّه ليس شيء أقلّ شكرا من الإنسان ثمّ هذا الرّجل خاصة، ثمّ قال له القرد: إنّ منزلي في جبل قريب من مدينة يقال لها فوادرخت فقال له الببر: أنا أيضا في أجمة [3] إلى جانب تلك المدينة، قالت الحيّة:
و أنا أيضا في سور تلك المدينة فإن أنت مررت بنا يوما من الدّهر و احتجت إلينا فصوّت علينا حتى نأتيك فنجزيك بما أسديت [4] إلينا من المعروف.