نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 209
الملك الطّاهر الصّالح الكرامة، و لسنا نقدر أن نعلمك بما رأينا إلاّ أن تخلو بنا، فأخرج الملك من كان عنده و خلا بهم فحدّثوه بالذي ائتمروا به فقال لهم: الموت خير لي من الحياة إن أنا قتلت هؤلاء الذين هم عديل [1] نفسي، و أنا ميّت لا محالة و الحياة قصيرة و لست كلّ الدّهر ملكا، و إنّ الموت عندي و فراق الأحباب سواء. قال له البرهميّون:
إن أنت لم تغضب أخبرناك فأذن لهم فقالوا: أيّها الملك إنّك لم تقل صوابا حين تجعل نفس غيرك أعزّ عندك من نفسك، فاحتفظ بنفسك و ملكك و اعمل هذا الذي فيه لك الرّجاء العظيم على ثقة و يقين.
و قرّ عينا بملكك في وجوه أهل مملكتك الذين شرفت و كرمت بهم و لا تدع الأمر العظيم و تأخذ بالضعيف فتهلك نفسك إيثارا [2] لمن تحبّ. و اعلم أيّها الملك أنّ الإنسان إنّما يحبّ الحياة محبّة لنفسه و أنه لا يحبّ من أحبّ من الأحباب إلاّ ليتمتّع بهم في حياته، و إنّما قوام نفسك بعد اللّه تعالى بملكك، و إنّك لم تنل ملكك إلاّ بالمشقّة و العناء الكثير في الشهور و السّنين، و ليس ينبغي أن ترفضه و يهون عليك، فاستمع كلامنا و انظر لنفسك مناها و دع ما سواها فإنّه لا خطر له، فلمّا رأى الملك أنّ البرهميّين قد أغلظوا له في القول و استجرءوا عليه [3] في الكلام اشتدّ غمّه و حزنه و قام من بين ظهرانيهم و دخل إلى حجرته فخرّ [4] على وجهه يبكي و يتقلّب كما تتقلّب السّمكة إذا خرجت من الماء.
و جعل يقول في نفسه: ما أدري أيّ الأمرين أعظم في نفسي الهلكة أم قتل أحبّائي، و لن أنال الفرح ما عشت و ليس ملكي بباق عليّ إلى الأبد و لست بالمصيب سؤلي في ملكي و إنّي لزاهد في الحياة إذا لم أر إيراخت، و كيف أقدر على القيام