نام کتاب : كشف الغمة في معرفة الأئمة نویسنده : المحدث الإربلي جلد : 2 صفحه : 867
بالأمر و أنزعه من نفسي فأبى (1) و كان أمر اللّه قدرا مقدورا.
و أمّا أبو جعفر محمّد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم و الفضل، مع صغر سنّه و الاعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه، فقالوا: إنّ هذا الصبي و إن راقك منه هديه (2) فإنّه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدّب و يتفقّه في الدين ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: و يحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، و إنّ هذا من أهل بيت علمهم من اللّه و موادّه و إلهامه، و لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يبيّن لكم ما وصفت من حاله، قالوا له: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخلّ بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن اصابك في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أمير المؤمنين، و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب من ذلك- في معناه- فقال لهم المأمون: شأنكم و ذلك متى أردتم.
فخرجوا من عنده و أجمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم و هو يومئذ قاضي الزمان، على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب عنها، و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك، و عادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك و اجتمعوا في اليوم الذي اتّفقوا عليه، و حضر معهم يحيى بن أكثم، و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست (3) و يجعل له فيه مسورتان (4)، ففعل ذلك، و خرج أبو جعفر (عليه السلام) يومئذ و هو ابن تسع سنين و أشهر، فجلس بين المسورتين، و جلس يحيى بن أكثم بين يديه، و قام الناس في مراتبهم، و المأمون جالس في دست متّصل بدست أبي جعفر (عليه السلام)، فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أ تأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟ فقال له المأمون:
استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيى بن أكثم، فقال: تأذن لي جعلت فداك في مسألة؟
فقال له أبو جعفر (عليه السلام): سل إن شئت.
(1) و هذا الكلام يؤيّد ما ذهب إليه المؤلف رحمه اللّه من أنّ الرضا (عليه السلام) مات حتف أنفه و ما قتله المأمون بالسم و قد مرّ كلامه رحمه اللّه في ذلك تفصيلا فراجع.