و اخطار معناه بالبال و استعمال الجوارح و الا لكان المنافق باظهار كلمة الشهادة و اخطار معناها مؤمنا بل لا بد مع ذلك من تأثر القلب عن العمل و انقياده الى الطاعة و اقباله إليه جل شأنه و انصرافه عن الدنيا و ما فيها حتى يرى الناس كالاباعر و لا يتحصل ذلك الا بتحصيل الفضائل النفسانية و الملكات الروحانية و الاجتناب عن رذائلها، فان النفس ما دامت عارية عن تلك الملكات و الفضائل و متصفة بالملكات الخبيثة و الرذائل تنبعث الى الفعل و تقصده و تميل إليه و تظهره و لو بعد حين تحصيلا للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب فيها من تلك الصفات الرذيلة و تحصيل هذه الامور مشكل جدا لا يتيسر الوصول إليها الا لذوى الفطرة السليمة و الفكرة المستقيمة، فقد ظهر مما قررنا أن حفظ العمل من موجبات النقص و الفساد أشد و أصعب من نفس العمل. و منه يظهر سر ما رواه العامة و الخاصة عنه (ص) «نية المؤمن خير من عمله»، ثم أشار الى تفسير العمل الخالص و خلاصة القول فيه
بقوله:
(و العمل الخالص الّذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد)
(1) حين العمل و بعده
(الا اللّه تعالى)
(2) تنبيها على أن الرياء و قصد المدحة و السمعة مناف للخلوص و حقيقة الرياء إرادة مدح الناس على العمل و السرور به و التقرب إليهم باظهار الطاعة و طلب المنزلة فى قلوبهم و الميل الى اعظامهم له و توقيرهم اياه و استجلاب تسخيرهم لقضاء حوائجه و قيامهم بمهماته و هو الشرك باللّه العظيم، قال رسول اللّه (ص): «من صلى صلاة يرائى بها فقد أشرك»، ثم قرأ «قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ- الآية» و فى قوله «لا تريد» اشارة الى أنه لو مدحه الناس على عمله من غير ارادته و سروره به لا يقدح ذلك فى خلوص عمله بل هو من جميل صنع اللّه تعالى و لطفه به كما ورد فى بعض وحيه «عملك الصالح عليك ستره و على اظهاره» و أمثال ذلك فى الروايات كثيرة و ان دخله سرور باطلاع الناس و مدحهم فان كان سروره باعتبار ان اللّه تعالى أظهر جميله و شرفه عليهم لا بحمدهم و حصول المنزلة فى قلوبهم، أو باعتبار أنه استدل باظهار جميلة فى الدنيا على اظهار جميله فى الآخرة على رءوس الاشهاد أو باعتبار أنهم يحبون طاعة اللّه تعالى و ميل قلوبهم إليها فلا يقدح ذلك فى الخلوص و ان كان باعتبار رفع منزلته عندهم و تعظيمهم اياه الى غير ذلك من التسويلات النفسانية و التدليسات الشيطانية فهذا رياء و شرك محبط للعمل و ناقل له من كفة الحسنات الى كفة السيئات و من ميزان الرجحان الى ميزان الخسران، و لذلك ورد فى كثير من الروايات الامر باخفاء العمل و استاره حفظا له عن الرياء المنافى لا خلاصه المفسد له بالكلية، و ظاهر هذا التفسير يدل على أن قصد الثواب أو الخلاص من العقاب لا ينافي الخلوص كما يدل عليه كثير من الروايات مثل قوله (ص): «من