دار قرار و الدّنيا دار فناء و زوال و لكن أهل الدّنيا أهل غفلة و كأنّ المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة و عبرة، لم يصمّهم عن ذكر اللّه جلّ اسمه ما سمعوا بآذانهم و لم يعمهم عن ذكر اللّه ما رأوا من الزّينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة، كما فازوا بذلك العلم، و اعلم يا جابر أنّ أهل التقوى أيسر أهل الدّنيا مئونة و أكثرهم لك معونة، تذكر فيعينونك و إن نسيت ذكّروك، قوّالون بأمر اللّه قوّامون على أمر اللّه، قطعوا
المحبة و أقصى معارج اليقين، ثم بالغ في الحث على الزهد في الدنيا
بقوله:
(يا جابر الآخرة دار قرار و الدنيا دار فناء و زوال و لكن أهل الدنيا أهل غفلة)
(1) للتنبيه على أنه لا ينبغى ايثار الفانى على الباقى و لكن أهل الدنيا لما كانوا جاهلين بقبائح الدنيا غافلين عن امر الآخرة و اختاروا الزائل ترجيحا للشاهد على الغائب و هو محل التعجب و لذلك قال أمير المؤمنين (ع) «عجبت لعامر دار الفناء و تارك دار البقاء» ثم أشار الى أن كمال الايمان و الزهد في الدنيا يتحققان بالفقه و الفكرة و العبرة
بقوله:
(و كأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة و عبرة لم يصمهم عن ذكر اللّه جل اسمه ما سمعوا بآذانهم)
(2) من اخبار بسطة أيدى السابقين و القاصين و كثرة أموالهم و شدة تمكنهم من الدنيا
(و لم يعمهم عن ذكر اللّه ما رأوا)
(3) فى أهل الدنيا-
(من الزينة بأعينهم ففازوا)
(4) لترك الدنيا (بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم)
(5) اذ بتفقههم يعرفون الخير و الشر و يميزون بين الحق و الباطل و بين الباقى و الزائل و بفكرتهم يتفكرون في أحوال ما بعد الموت الى أن يدخل أهل الجنة فى الجنة و أهل النار في النار، و في أهوال ما يرد عليه الانسان بعده من المقامات و صعوبة التخلص منها و بالعبرة يعتبرون بأنفسهم فى كيفية وصول الرزق إليهم حين كونهم أجنة في بطون امهاتهم من غير اختيار و لا عمل لهم، و بأحوال الماضين و ما كانوا فيه من نعيم الدنيا و لذاتها و المباهات بكثرة الاموال و الاعوان، ثم المفارقة لذلك كله بالموت أو الاخذ، و بقاء الحسرة و الندامة و الاعمال و علائق الدنيا حجبا حائلة بينهم و بين الرحمة و حضرة جلال اللّه و ذلك يبعثهم على الزهد في الدنيا و الاقبال ظاهرا و باطنا الى اللّه تعالى و السعى للآخرة رحم اللّه من تفقه و تفكر و اعتبر فابصر، ثم أشار الى جملة من حالات الزاهدين و صفات المتقين
بقوله:
(يا جابر ان أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة)
(6) أى ثقلا لانهم لا يتحملون من الدنيا الا القدر الضرورى في التعيش و البقاء
(و أكثرهم لك معونة)
(7) لانهم مستعدون لاعانة المحتاجين في امور الدنيا و الدين سألوا أم لا كما أشار إليه
بقوله: (تذكر)
(8) أى حاجتك،
(فيعينونك)
(9) فيها
(و ان نسيت ذكروك)
(10) و أرشدوك إليها و الى طريق قضائها، ثم يعينونك مع