16- عنه، عن عليّ بن الحكم، عن أبي عبد اللّه المؤمن، عن جابر قال: دخلت علي أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا جابر و اللّه إنّي لمحزون و إنّي لمشغول القلب، قلت:
جعلت فداك و ما شغلك؟ و ما حزن قلبك؟ فقال: يا جابر إنّه من دخل قلبه صافي خالص دين اللّه شغل قلبه عمّا سواه، يا جابر ما الدّنيا و ما عسى أن تكون الدّنيا هل هي إلّا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟! يا جابر إنّ المؤمنين لم يطمئنّوا إلى الدّنيا ببقائهم فيها، و لم يأمنوا قدومهم الآخرة، يا جابر الآخرة
الناظر منهم تارة الى المرض الجسمانى و تارة الى المرض الروحانى و هو اختلاط العقل و اختلاله بالجنون فقال (ع) اما المرض فمنتف، و أما المخالطة فمتحققة لكن لا بالجنون و نقصان العقل كما توهموا، بل الخوف و الذكر و الاتصال. و هى دواء للنفس يشفيها من جميع الامراض المهلكة.
قوله: (انه من دخل قلبه صافى خالص دين اللّه شغل قلبه عما سواه)
(1) لعل المراد بالخالص الايمان الحقيقى و اليقين باللّه و اضافة الصافى إليه اما بيانية أو لامية بأن يراد بالصافى التقرب منه تعالى و حب لقائه و لقاء الآخرة، هذا وجه لشغل قلبه الشريف عما سواه، و أما وجه حزنه فلعله أن الانسان و ان طى مقامات السير و وصل الى الحق و قرب منه لكنه ما دام في هذه الدار لا يخلو من بعد في الجملة، و انما يحصل القرب التام و الوصول الكامل بعد المفارقة منها فالعارف في هذه الدار دائما في شغل عما ذكر و حزن لفقد هذا الكمال الّذي لا يتأتى الا بالموت و لذلك قال على (ع) حين ضرب «فزت برب الكعبة» ثم أشار الى ذم الدنيا و ترك محبتها على وجه يشعر بتحقيرها
بقوله:
(يا جابر ما الدنيا و ما عسى أن تكون الدنيا هل هى الطعام اكلته، أو ثوب لبسته.
أو امرأة أصبتها)
(2) للتنبيه على ان جل منافع الدنيا هذه الامور و هى منصرمة منقضية لا بقاء لها. و العاقل لا يحب و لا يركن الى ما هو في معرض الفناء و الزوال سريعا، ثم أشار الى أن المؤمنين السابقين لم يركنوا الى الدنيا و لم يطمئنوا ببقائهم فيها خوفا من أمر الآخرة و قدومهم إليها
بقوله: (يا جابر ان المؤمنين لم يطمئنوا الى الدنيا ببقائهم فيها و لم يأمنوا قدومهم الآخرة)
(3) بل تركوا الدنيا و خافوا قدومهم الآخرة و المراد بالمؤمنين المؤمنون الكاملون و هم الكرماء و المتورعون في مكاسبهم الملازمون فيها للاعمال الجميلة الصالحة و الاخلاق الفضيلة الكاملة و أداء الحقوق النفسية و البدنية البالغون بذلك الى أعلى مراتب