محبّتهم بمحبّة ربّهم و وحشوا الدّنيا لطاعة مليكهم و نظروا إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى محبّته بقلوبهم و علموا أنّ ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه. فانزل الدّنيا كمنزل نزلته ثمّ ارتحلت عنه، أو كمال وجدته في منامك فاستيقظت و ليس معك
الحاجة الى الاعانة
(قوالون بأمر اللّه)
(1) لان شأنهم ارشادهم و هدايتهم للخلق الى ما فيه صلاحهم و زجرهم عما فيه فسادهم
(قوامون على أمر اللّه)
(2) يحفظونه من الزيادة و النقصان و يمنعون عنه تصرف أهل الجهل و الطغيان فهو بعنايتهم ينتظم و يقوم و بحمايتهم يستقيم و يدوم
(قطعوا محبتهم بمحبة ربهم)
(10) أى قطعوا محبتهم عن جميع الاشياء و اختاروا محبة ربهم، أو تركوا ما يحبونه و عملوا بما يحبه ربهم.
(و وحشوا الدنيا لطاعة مليكهم)
(3) أى انقطعوا عن الدنيا و فروا منها و لم يستأنسوا بها لان يطيعوا مالكهم فيما أراد منهم من ترك الدنيا أو الاعم منه و من ترك جميع الشرور و فعل جميع الخيرات بقلب فارغ عن غيره
(و نظروا الى اللّه عز و جل و الى محبته بقلوبهم)
(4) بقلوبهم متعلق بنظروا و انما أخرها مع أن النظر مسند إليها في الحقيقة اما للاهتمام بالمقدم أو لقصد الحصر أى نظروا ببصيرة قلوبهم الى اللّه و الى محبته لا الى غيرهما و الاخير أنسب
بقوله: (و علموا أن ذلك)
(5) أى ذلك المذكور و هو اللّه و محبته و الاشارة للتعظيم.
(هو المنظور إليه لعظيم شأنه)
(6) أى هو الّذي ينبغى أن ينظر إليه لا الى غيره لعظمة شأنه و حقارة ما سواه، ثم خاطب جابرا و كل من يصلح للخطاب و زهده في الدنيا بتمثيل بليغ بقبح حال الدنيا و صاحبها فقال
(9) شبه الدنيا بذلك المنزل في قلة زمان الكون فيه و شبه متاعها بذلك الكمال [1] فى عدم الاعتناء به و عدم كونه كما لا في الحقيقة لسرعة زواله بنفسه أو بالموت الشبيه بالاستيقاظ فلا يكون معك منه شيء كما لا يكون مع المستيقظ من ذلك الكمال شيء. و يظهر منه سر قول أمير المؤمنين (ع) «الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا» و العاقل اللبيب اذا نظر الى الدنيا بعين البصيرة و وجدها متصفة بالصفات المذكورة زال عنه حبها. قال الشاعر موافقا لهذا التمثيل:
نزلنا هاهنا ثم ارتحلنا * * * كذا الدنيا نزول و ارتحال
أردنا أن نقيم بها و لكن * * * مقام المرء في الدنيا محال
و قال بعض أكابر الشيعة: «و اللّه لو كانت الدنيا بأجمعها تبقى علينا و يأتى رزقها رغدا ما كان من حق حر أن يذل لها فكيف و هى متاع يضمحل غدا» ثم أشار الى تمثيل آخر
[1] كمال حرف الجر دخلت على كلمة مال لا من كمل كما توهمه (ش).