(1) لفظ «من» هنا ليس مختصّا بذوى العقول على ما يقتضيه الوضع بل يعمّ كلّ ذي حياة من باب التغليب بقرينة ذكر الحوت، و إنّما ذكر الحوت بعد حتّى [1] لبعد المناسبة المقتضية للاستغفار بينه و بين العالم في الطبيعة و التحيّز و الرّية و التنفس و المناسبة بينهما بمجرّد الرّوح الحيواني، بخلاف المناسبة بين العالم و من في السماء فإنّها باعتبار القوّة الرّوحانيّة و التجرّد [2] و بينه و بين من في الأرض فإنّها بهذا الاعتبار و باعتبار الاشتراك في الرّوح الحيوانى و الطبيعة و التحيّز أيضا، و إنّما يستغفرون لطالب العلم لأنّه سالك لطريق الحقّ طالب للقرب منه و القيام بين يديه و الذّنوب من أعظم الأغلال و القيود المانعة من الحركة إليه فينصره اللّه بجنوده و يبعثهم لمدده بالاستغفار الموجب لفكّ هذه القيود و الأغلال، أو لأنّه من أحبّ المحبوبين له تعالى فيلقى محبّته في قلوب خلقه فيطلبون غفران ذنوبه لأنّه أهمّ للطالب إذ من غفر اللّه له وجب له الجنّة و مقام القرب، أو لأنّ هذا العالم على اختلاف أجزائه و تفاوت ميلها إلى حضرة القدس بمنزلة شخص واحد أجزائه مرتبط بعضها ببعض فإذا تحرّك طالب العلم الّذي هو أشرف أجزائه إلى حضرة الباري يستشعر به الباقى بحكم الارتباط [3] فيطلبون له محو ذنوبه الموجب لسهولة الحركة إليه،
[1] كلمة حتى تدل على ان الحوت أبعد من الاستغفار لان كل حيوان له صوت يمكن ان يتصور له الاستغفار في صوته و الحوت لا صوت له (ش).
[2] أراد الشارح بالسماء هنا العالم الروحانى و المجردات و من في السماء الذين يسكنون ذاك العالم و هم العقول و الملائكة المقربون (ش).
[3] نظير بدن الانسان المركب من أعضاء مختلفة لكل واحد منها قوة خاصة به كالمعدة لجذب الغذاء و الكلية لدفع السموم و مع ذلك اذا عرض لواحد من الاعضاء آفة أو مرض توجه ساير الاعضاء إليه و عمل ما يوافق مصلحته و اذا عاد الى الصحة حسن حال كل واحد و استراحوا الى فعلهم و كذا العالم كله لارتباط بعضه ببعض، و نسبة أفعال العقلاء الى الجماد و الحيوانات العجم غير عزيز تكرر مثله في القرآن العزيز و الاحاديث و كتب الحكماء غيرها، مثلا قال أبو على سينا: الطبيعة تتوخى النوع و تريد بقاءه بتلاحق الافراد و غيره كثيرا، و قال: العلة الغائية أعرف عند الطبيعة من المعلول (ش).