لذّة فوق لذّة العلوم الربّانيّة و المعارف الإلهيّة، و النّار الدّنياويّة هى الجهل لانّ النار ما يتألّم به النفس و يستكرهه العقل و لا ألم فوق ألم الجهل، فمن سلك طريق الجنّة الدّنياويّة يقال له بعد انقضاء أجله: اسلك طريق الجنّة الاخرويّة لأنّك تعوّدت باللّذات و من سلك طريق النار الدّنياويّة يقال له بعد انقضاء مدّته: اسلك طريق النار الاخرويّة لأنّك تعوّدت بالآلام، بل لا يرى الأوّل نفسه بعد انقضاء الأجل و زوال الحجاب إلّا عند باب الجنّة الاخرويّة، و الثانى لا يرى نفسه إلّا عند باب النار الاخرويّة، ثم الفوز بهذا المطلب العظيم و التنعّم المقيم مشروط بخلوص النيّة في تحصيل العلوم عن الأغراض الدّنياويّة و هو أمر مشكل سيّما للمبتدي و اللّه المستعان.
(و إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به)
(1) أي لأجل رضائها به قال ابن الاثير: تضعها لتكون وطاء له إذا مشى و قيل: هو بمعنى التواضع له تعظيما لحقّه، و قيل: أراد بوضع الأجنحة نزولهم عند مجالس العلم و ترك الطيران و قيل: أراد به اظلالهم بها. انتهى، و قال بعض أصحابنا: أراد بالملائكة النفس الناطقة لأنّ لفظ الملائكة يطلق على الجواهر القدسيّة الغائبة عن الأبصار [1] و بأجنحتها قواها العمليّة على سبيل التشبيه بأجنحة الطيور الّتي بها يقع الطيران إلى فوق و بوضعها بسطها انقيادا لطالب العلم ليركبها و ينتقل بها إلى عالم التوحيد و عالم المعارف
(و أنّه يستغفر)
(2) أى يطلب من اللّه ستر الزّلّات و عفو الخطيئات
(لطالب العلم)
(3) وضع الظاهر موضع الضمير محبة لذكرهم و تصريحا بشرفهم و بما هو باعث
[1] ظاهر هذا الكلام لا يطابق ما يتبادر الى الذهن من الملائكة فان النفس الناطقة ليس ملكا في اطلاق اللفظ و ان كان مثله في التجرد و الغيبوبة عن الابصار الا أن يراد كون النفس متصلا بالملائكة نحوا من الاتصال و اتحاده بهم نوعا من الاتحاد كشعاع الشمس للشمس، و معنى كون طالب العلم على اجنحة الملائكة استعانته بهم في الطيران الى عالم الملكوت بالتوفيق و التأييد و إلهام الغوامض و النفس يطير بجناح الملك في عوالم العقول و المجردات. (ش)