طريقأ مستطرقا و لا غيره و ما كان مأخوذا للدّار و السكنى ينبغي أن يكون كذلك لا غيره، و فيه ردّ على من تصرّف في الشرع بعقله من جهة القياس أو الترجيح أو الاستحسان أو غير ذلك فإنّ ذلك التصرّف يوجب تغيير الحدود و يجعل الحلال حراما و الحرام حلالا، ثمّ أكّد (عليه السلام) ما هو بصدده من أنّه سبحانه بيّن جميع الأحكام و عيّن حدودها بذكر بعض الأحكام الصغار فقال
(حتّى أرش الخدش)
(1) الأرش دية الجراحات و الجمع أروش مثل فرش و فروش، و الخدش مصدر خدش وجهه إذا ظفره فأدماه أولم يدمه ثمّ سمّي به الأثر و لهذا يجمع على خدوش
(فما سواه)
(2) عطف على الخدش أي حتّى أرش ما سوى الخدش ممّا هو دونه أو فوقه
(و الجلدة و نصف الجلدة)
(3) عطف على أرش الخدش و الجلد و الجلدة بفتح الجيم و سكون اللّام ضرب الجلد بكسر الجيم يقال: جلده الحدّ أي ضربه و أصابه جلده و فيه مبالغة على أن اللّه تعالى بيّن جميع ما يحتاج إليه العباد في الكتاب و لكنّ الكتاب بحر عميق و لا يدرك ما في قعره إلّا الغوّاصون في بحار المعرفة.
[الحديث الرابع]
«الاصل»
4- «عليّ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حمّاد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)» «قال: سمعته يقول: ما من شيء إلّا و فيه كتاب أو سنّة».
«الشرح»
(عليّ، عن محمّد بن عيسى عن يونس عن حمّاد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ما من شيء إلّا و فيه كتاب أو سنّة)
(4) و لا يعرف ذلك إلّا بأنوار عقليّة و موهبة ربّانيّة و أعمال بدنيّة و مجاهدات نفسانيّة و رياضيات فكريّة و استعدادات فطريّة موجبة لانكشاف حقايق الأشياء و صور كليّاتها و جزئياتها و مباديها و غاياتها و ظواهرها و بواطنها [1]
[1] هذا الكلام تعميم للعلوم المستنبطة من الكتاب و السنة بالنسبة الى ما سبق فانه خص العلم سابقا بالعلوم الدينية و جعله هنا انكشاف حقايق الاشياء و صور كلياتها و جزئياتها و هذا يخالفه بحسب ما يتراءى في بادى النظر و الحق عدم المنافاة بين الكلامين. بيان ذلك أن العلم اما جزئى و اما كلى و لا كمال في معرفة الجزئى من حيث انه جزئى ألا ترى انه لا يهتم احد بمعرفة افراد الانسان و النبات و عمدتهم معرفة الكلى و قد يعتنى بالجزئى من حيث انه يفيد فائدة كلية كعلم الرجال و التواريخ و معرفة النجوم الثوابت، ثم الكليات مترتبة و العلم الكلى هو النظر في اصل الوجود مبدئه و صفاته و غايته، فاذا عرف ذلك كليا استغنى عن الجزئيات كما ان الطبيب اذا عرف اجزاء بدن الانسان و كليات أمراضه و علاجه استغنى عن تتبع الافراد و لا كمال له في معرفتها، و كذلك من عرف اللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر فقد عرف حقيقة كل شيء و انه مخلوق له و خلق لغاية و ظاهرها ماهيتها و باطنها تعلقها بالمبدإ الواجب و اما التفاصيل و الجزئيات من علوم الدنيا فخارج عن مقصود الكتاب الا ان الاولياء كلما كان علمهم بالواجب أتم كان علمهم بمخلوقاته أكثر و أعم، فان العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول، ألا ترى انك اذا علمت زيدا جوادا غنيا علمت أنه يكثر منه الخيرات و اذا عرفت ان بجنبه اهل بيت فقراء و هو عالم بهم أنه يعطيهم و يغنيهم عن المسألة، و اذا علمت عمرا ملحدا زنديقا علمت أنه لا يصوم رمضان في شدة الحر، كذلك من عرف اللّه تعالى عرف افعاله من حيث أنه فعله و يختلف ذلك باختلاف المعرفة و لا يبعد أن يكون بعض الاولياء عارفا بما كان و ما يكون فى الجملة باختلاف مراتبهم فعلا و قوة، فان ادعى احد أن ذلك حاصل لهم بالقرآن لم يكن مجازفا اذ حصل لهم المعرفة باللّه من القرآن و بالجملة استفادة العلم بجميع حقايق الاشياء من القرآن خاص بالاولياء. (ش)