هذه الامور هيئة العدالة و من صفاته اللّازمة أن يستحقر نفسه بملاحظة عظمة اللّه و كبريائه و لا ينظر إلى غيره تعالى بل لا يرى لغيره وجودا فمن رضي بثناء الناس عليه- و عبّر عنهم بالجاهل لأنّ من أثنى على الناس فهو جاهل- لم يتّصف بالحكمة و لا يطلق عليه اسم الحكيم لأنّ رضاه بذلك بسبب غلبة قوّته الشهويّة و طغيانها و ميلها إلى مشتهياتها و ذلك ينافي معنى الحكمة كما عرفت، و أيضا رأى لنفسه وجودا و عظمة و ذلك مناف لصفاته اللّازمة له، و أيضا الحكيم يعلم بنور حكمته أنّ ثناء الجاهل لا يزيده كمالا و لا يفيده شرفا و أنّ الشريف من جعله اللّه تعالى شريفا فثناء الجاهل عنده كعدمه فلا يرضى به و لا يفتخر، و أيضا الحكيم يعلم أنّ بينه و بين الجاهل مباينة و تضادّا و أنّ ضدّ أحد لا يميل إليه إلّا لغرض ما فيعلم أنّ الجاهل لا يميل إليه و لا يثنيه إلّا لاعتقاد أنّه جاهل مثله أو لقصد استهزائه و سخريّته أو لقصد خدعة، و الحكيم لا يرضي بشيء من ذلك و أيضا الحكيم يعلم أنّ الجاهل لا علم له بمراتب الكمال فهو في المدح له و الثّناء عليه إمّا مفرط أو مفرّط و الحكيم لكونه على الوسط لا يرضى بثنائه
(الناس أبناء ما يحسنون)
(1) أي ما يعلمونه أو يعدّونه حسنا فإن كانوا يعلمون العلم و العمل و الآخرة فهم من أبناء الآخرة و إن كانوا يعلمون الدنيا و زهراتها و لا يتجاوز فهمهم إلى ما وراءها فهم من أبناء الدنيا و هذا من لطائف كلامه و أوجز خطابه (عليه السلام) و فيه استعارة مكنيّة و تخييليّة و وجه الاستعارة أنّ الابن لما كان من شأنه أن يميل إلى أبيه إمّا ميلا طبيعيّا أو ميلا عرضيّا بحسب تصوّر المنفعة منه و كان الناس منهم من يحسن العلم و العمل و الآخرة و يريدها و منهم من يحسن الدّنيا و زهراتها و يريدها و يميل كلّ واحد منهما إلى مراده تحصيلا لما يعتقده خيرا و لذّة و سعادة شبّه المراد المرغوب إليه بالأب و اثبت له الابن لإفادة