لا تتّهموا أهل العلم و لا تتّصفوا بسوء الظنّ بهم و لا تنسبوهم إلى احتمال الكذب و الافتراء فإنّه يؤدّيكم إلى الشكّ في صدقهم، و فيه زجر عن الارتياب في أمر صدر عن مشكاة النبوّة و معدن الخلافة و حثّ على قبوله بالطاعة و الانقياد سواء كان ذلك الأمر من باب المعارف الالهيّة أو من باب الأحكام الشرعيّة و سواء علم وجه مصلحته أو لم يعلم فانّ عليهم البلاغ و علينا التسليم
(و لا تشكّوا فتكفروا)
(1) أي تشكّوا في شيء من الأمور المذكورة فانّكم إن تشكّوا فيه تكفروا فانّ الشكّ فيه كفر باللّه العظيم و بما أنزله إلى رسوله الكريم ثمّ حثّ على العمل بالطاعات و الاجتناب عن المنهيّات و غيرها ممّا يمكن أن يؤدّي إليها بقوله
(و لا ترخّصوا لأنفسكم فتدهنوا)
(2) الرّخصة في الأمر خلاف التشديد و قد رخّص له في كذا ترخيصا فترخّص هو فيه، و الادهان و المداهنة الملاينة و المساهلة و إظهار خلاف ما تضمر و الغش، يعني لا تجعلوا أنفسكم مرخّصة في ترك التعلّم و ترك الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فانّكم إذا فعلتم ذلك تساهلوا في أمر الدّين و إحياء نفوسكم و نفوسهم و فيه هلاك أبديّ لكم و لهم و كذا لا تجعلوها مرخّصة في تنويع المآكل و المشارب و المناكح و المباحات و الخروج فيها إلى حدّ الافراط و المشتهيات و لا في حضور مجالس الفاسقين و معاشرة الظالمين بتأويلات و حيل تخيل أنّها جائزة في الشريعة إذ لو فعلتم ذلك تساهلوا في ارتكاب المحظورات و تلاينوا معهم في السكوت عمّا ترون من المنكرات فانّ الانهماك في المباحات ربّما يسهل عليكم ارتكاب المحظورات و الانس بأهل الطغيان و مشاهدة العصيان ربّما يوقعكم في حبائل الشيطان إذ الانسان إذا توسّع في الامور المباحة و استيفائها ربّما شارف المكروهات و لحظ أنّه لا عقاب في فعلها فقادته شهوته إلى فعلها و التجاوز عن حدودها إلى المحظورات لأنّ العقل إذا أطاع النفس الأمّارة فيما تأمر به مرّة بعد اخرى لم يبق له نفار عمّا تقوده إليه لوقوع الانس به، و ظاهر أنّ ارتكاب بعض مأموراتها يجرّ إلى ارتكاب بعض آخر فيؤدي ذلك إلى التجاوز من حدود الشريعة و عبورها إلي الوقوع في حبائل الشيطان و التهوّر في المحظورات الّتي هي مهاوي الهلاك و الخسران، و لذلك و ردّ «من رتع حول