النافع [1]» اي الّذي يستلزم الطاعة و العمل و أمّا إنّ الحسرة عليه أدوم فلأنّه كلّما رأى يوم القيمة ربح العلماء العاملين و كرامة اللّه تعالى عليهم ازدادت حسرته و ندامته على ترك العمل و لا ينفعه الندم و لأنّ نفس الجاهل غير عالمة بمقدار ما يفوتها من الكمال بالتفصيل فاذا فارقت بدنه فهي و إن كانت محجوبة عن نعيم الجنّة و ما أعدّ اللّه لأوليائه إلّا أنّها لما لم تجد لذّتها و لم تذق حلاوتها و لم تعرف قدرها لم يكن لها كثير حسرة عليها و لا دوام أسف على التقصير في تحصيلها بالأعمال الصالحة بخلاف العارف بها العالم بنسبتها إلى اللّذات الدنيويّة [2] فانّه بعد المفارقة إذا علم و انكشف له أنّ الصارف له و المانع عن الوصول إليها هو تقصيره
[1] رواه ابن أبى شيبة في المصنف و الحكيم الترمذي في النوادر عن الحسن مرسلا و الخطيب عنه عن جابر بسند حسن كما في الجامع الصغير.
[2] اللذة فرع الادراك و لا ريب أن الادراك ليس من صفات الاجسام الجامدة بل هذه القوة المدركة شعاع من عالم الغيب و كلما كان الادراك أشد كانت اللذة و الالم أشد و كلما كان الكمال الّذي يناله الانسان اعظم و أكثر كان البهجة و الالتذاذ به أعظم أيضا، و لا ينبغى أن يتوهم أن الموجود المجرد المدرك بذاته و له الكمالات العظيمة الكثيرة أقل لذة و اضعف سعادة من أفراد الانسان الشهوى في الدنيا و يزعم الجاهل أن سعادته في الدنيا عظيمة اذا كانت له شهوة يقضيها و ليس للملائكة و العقول سعادة و لذة أصلا و ليس كذلك بل الانسان اذا لحق بهم يليق له كمالات و التذاذات من ادراكها و افاضات من جانبهم يبتهج بها فوق ما يحصل له في الدنيا من شهواتها اضعافا مضاعفة و حسرته من فقدها و الحرمان عنها اعظم من حسرة المحرومين في الدنيا كما تعلم و قس عظم الابتهاج بعظم القدرة و كثرة العلم فان المجردات تقدر على حركة السموات و الشمس و القمر و ينال علمهم كل شيء من الباطن و الظاهر و البعيد و القريب و الغيب و الشهادة و الماضى و المستقبل و الانسان محروم من ذلك كله في الدنيا و يليق أن يلحق بالمجردات فيبتهج و يلتذ بتلك النسبة (ش).