30- «محمّد بن يحيى رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من استحكمت لي» «فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها و اغتفرت فقد ما سواها و لا أغتفر فقد» «عقل و لا دين، لأنّ مفارقة الدّين مفارقة الأمن فلا يتهنّأ بحياة مع مخافة،» «و فقد العقل فقد الحياة و لا يقاس إلّا بالأموات».
«الشرح»
(محمّد بن يحيى رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير)
(1) أى صارت محكمة يعني ملكة راسخة، و المراد من خصال الخير فضائل النفس و أخلاقها مثل العفّة و السخاوة و الحلم و غيرها ممّا عرفته آنفا و ستعرفه فيما بعد و ممّا هو مذكور في كتاب الأخلاق و قوله «لي» على تضمين معنى الثبوت أو الظهور أى ثابتا لي ذلك، أو ظاهرا عندي، أو على معناه لأجلي يعني لأجل إعانتي في إنجائه من العقوبات و هذا نظير ما قيل لرسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): «اضمن لي الجنّة فقال: أعني بكثرة السجود» [1]
(احتملته عليها و اغتفرت فقد ما سواها)
(2) أي أعنته على تلك الخصلة و رضيت باحتماله و قبلتها منه و رفعت بها قدره في الآخرة و تجاوزت عن فقد ما سواها و سترته و لم آخذه به
(و لا اغتفر فقد عقل و لا دين)
(3) ليس المراد بالعقل هنا العقل الهيولانى الّذي به يفارق الانسان ساير الحيوانات لأنّه موجود في الجميع و لو فقد في البعض ففقده ليس باختياره بل المراد به العقل الّذي له ملكة إدراك المعارف الإلهيّة و هو الّذي يسمّونه عقلا بالفعل، و المراد بالدّين معرفة الشرائع الصادرة بواسطة الرسول و إطاعته في الأمر و النهى و غيرهما، يعنى لا أغتفر فقد عقل فقط و لا أتجاوز عن التقصير فيه و إن كان له دين و لا فقد دين فقط و إن كان له عقل سواء كان الفاقد لهما موصوفا بجميع خصال الخير أولا
(لأنّ مفارقة الأمن)
(4) لأنّ الأمن من العذاب و الوقوع في الباطل إنّما يحصل باتّباع الرّسول و إطاعته لأنّ قوله قول اللّه و أمره أمر اللّه و قد بعثهم على الناس ليجذبهم عمّا يميلون إليه من اتّباع الشهوات الباطلة و اقتناء
[1] أخرجه مسلم في صحيحه ج 2 ص 52 باب فضل السجود و الحث عليه.