«بالمشقّة و نظر إلى الآخرة فعلم أنّها لا تنال إلّا بالمشقّة فطلب بالمشقّة أبقاهما» «يا هشام إنّ العقلاء زهدوا في الدّنيا و رغبوا في الآخرة، لأنّهم علموا» «أنّ الدّنيا طالبة مطلوبة و الآخرة طالبة و مطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته» «الدّنيا حتّى يستوفي منها رزقه و من طلب الدّنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت» فيفسد عليه دنياه و آخرته».
«يا هشام من أراد الغنى بلا مال و راحة القلب من الحسد و السلامة في» «الدّين، فليتضرّع إلى اللّه عزّ و جلّ في مسألته بأن يكمّل عقله، فمن عقل» «قنع بما يكفيه و من قنع بما يكفيه استغنى و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك» «الغنى أبدا»
«الشرح»:
(يا هشام إنّ لقمان قال لابنه: تواضع للحقّ تكن أعقل الناس)
(1) التواضع التذلّل من الوضع و هو خلاف الرفع و يحصل ذلك بالاجتناب عن التكبّر و الافتخار و سائر المنهيّات و الإتيان بالأوامر و المصالح و سائر الخيرات و التمسّك بحول اللّه و قوّته في الحركات و السّكنات و لا ريب في أنّ هذه خصلة عظيمة دلّت على أنّ صاحبها من أعقل الناس لأنّ العقل هو الدّاعي إليها و يمكن أن يكون المراد أنّ تواضعك سبب لصيرورتك من أعقل الناس، و يؤيّده ظاهر الشرط المقدّر و توجيه ذلك أنّ العقل من أفضل النعماء و شكرها التواضع و شكر النعمة يجلب الزّيادة كما قال سبحانه «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» فالتواضع سبب لازدياد العقل و كماله
(و إنّ الكيّس لدى الحق يسير)
(2) الكيّس- بفتح الكاف و تشديد الياء مع كسرها- من دان نفسه و عمل لما بعد الموت أي العاقل الذكي المتأنّي في الامور و حسن عاقبتها، و قد كاس يكيس كيسا و كياسة يعني أنّ العاقل الّذي يعمل بمقتضى عقله و يطلب ثواب اللّه و رضاه بتسديد قوّتي العلم و العمل عند الحقّ قليل لظهور أنّ أكثر الناس تابع للنفس و هواها مشتغل بلذّات الدّنيا و مقتضاها