و العلّامة بعد ما اختار هذا القول في المختلف قال: «إنّ الجمهور نقلوه مذهبا لعليّ (عليه السلام)» [1].
[الاحتجاج على القضاء بالنكول هنا بوجوه]
احتج الأوّلون بوجوه:
[الوجه] الأوّل: [الاحتجاج برواية البيّنة على المدّعي]
الخبر المشهور بين الخاصّة و العامّة: «البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر» [2] فإنّ المتبادر منه اختصاص كلّ منهما بما عيّن له، و التفصيل قاطع للشركة، خرجنا عنه فيما دلّ الدليل عليه، مثل ما لو وجب اليمين بالردّ من المنكر، و مثل تعارض البيّنتين و غير ذلك.
و ما يقال: «إنّ المتبادر من الرواية أنّ الثابت بأصل الشرع هو أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، و هو لا ينافي ثبوت اليمين على المدّعي بسبب الردّ، فلا يثبت من الرواية القضاء بالنكول بمجرّد عدم الحلف».
ففيه: أنّ الرواية مطلقة، و الأصل عدم تقييدها بكون ذلك بأصل الشرع أو غيره، إلّا أن يثبت بدليل، كما في صورة ردّ المدّعى عليه بنفسه.
سلّمنا، و لكن يكفي ذلك؛ إذ مقتضى ثبوت ذلك بأصل الشرع أيضا أنّه لا يجوز الخروج عنه إلّا بدليل، و الكلام إنّما هو في الدليل.
و ما يقال: «إنّ دليله أنّ الحكمة بردّ ذلك نيابة عن المدّعى عليه حيث يأبى عن الحلف و يوقف الأمر على حالة الفساد لأجل دفع الفساد، كما ينوب عن المماطل في بيع ماله لأجل أداء الدين».
ففيه: أنّ ذلك يتمّ إن بقي النزاع بحاله، و أثّر استقصاء المنكر في ذلك، و هو ممنوع؛ لأنّ مقتضى الرواية أنّ البينة و اليمين رافعان للدعوى، مثبتان للحقّ، فإنّ معنى الرواية أنّ البيّنة التي هي مذكورة في الأخبار [3] و مجعولة من مخرجات الحقّ،
[1]. مختلف الشيعة 8: 400، و انظر المغني 12: 125؛ سنن الدارقطني 4: 214، ح 35.
[2]. وسائل الشيعة 18: 170، أبواب كيفية الحكم، ب 3.