يعني من أين جئت، و ممّن منشؤك، أ لك أصل شريف، و قدر منيف في سابق الزمان؟
«فقال: من الطين؟».
يعني أنا في الأصل طين، و لم يكن لي مقدار.
ثمّ لمّا كان الإنسان- و إن كان عديم الأصل- خسيس المنشأ، وضيع المقدار بالفعل، فقد يعلّل نفسه بالآمال، و يترقّب وصول المنال، و يتبجّع بما يأمل حصوله في المال، فاستحفى غاية الاستحفاء، فقال:
«فقلت: إلى أين؟»
يعني أ لك منزلة في مستقبل الحال، و تترقّب وصولك في هذا السفر إلى منزل تحلّه في عزّة و جلالة.
«فقال: إلى الطين».
يعني مال أمري الطين، و أصير طينا، فكما أن خلقتي من الطين الحقيقي، و أتبدّل بعد ذلك بالطين الحقيقي، و الآن بعض عناصري الطين، أو أنا طين ادّعاء لأجل المشابهة في المقدار و عدم الأثر، فكذلك لم أك شيئا ذا قدر و كمال، و لست بشيء ذي منزلة و مقدار، و لا أرجو من جهة نقصي نيل شأن و اعتبار.
و يمكن أن يراد من قوله (عليه السلام): «إلى الطين» الحلول في الثرى، فمنها خلقنا و فيها يعيدنا، و لكن الأوّل أظهر.
ثمّ اعلم، أنّ التواضع و إظهار الذلّ، كما أنّه من المحامد، بل هو رأس الإيمان، و من أعظم ما يتقرّب به إلى الرحمن، و أدخل شيء في مخالفة النفس و الشيطان، فكذلك التصلّف و العجب، و تزكية النفس، و إطراء محامدها من الذمائم، و الصفات الرذيلة المانعة من القربان الباعثة على غلبة النفس و الشيطان، لكنّه قد يجب في بعض المواضع، سيّما لحجج اللّه على خلقه، المتوسّطين لتكميل عباد اللّه، و رفعهم