و كأنّ طول العمر روحة راكب # قضّى اللّغوب و جدّ في الإسراء [1]
أنضيت عيشك عفّة و زهادة، # و طرحت مثقلة من الأعباء [2]
بصيام يوم القيظ تلهب شمسه، # و قيام طول اللّيلة اللّيلاء [3]
ما كان يوما بالغبين من اشترى # رغد الجنان بعيشة خشناء
لو كان مثلك كلّ أمّ برّة # غني البنون بها عن الآباء
كيف السّلوّ، و كلّ موقع لحظة # أثر لفضلك خالد بإزائي [4]
فعلات معروف تقرّ نواظري، # فتكون أجلب جالب لبكائي
ما مات من نزع البقاء، و ذكره # بالصّالحات يعدّ في الأحياء
فبأيّ كفّ أستجنّ و أتّقي # صرف النّوائب أم بأيّ دعاء [5]
و من المموّل لي، إذا ضاقت يدي، # و من المعلّل لي من الأدواء
و من الذي إن ساورتني نكبة، # كان الموقّي لي من الأسواء [6]
أم من يلطّ عليّ ستر دعائه، # حرما من البأساء و الضّرّاء [7]
رزآن يزدادان طول تجدّد # أبد الزّمان: فناؤها و بقائي
شهد الخلائق أنّها لنجيبة # بدليل من ولدت من النّجباء [8]
في كلّ مظلم أزمة أو ضيقة # يبدو لها أثر اليد البيضاء
ذخرت لنا الذّكر الجميل إذا انقضى # ما يذخر الآباء للأبناء
[1] اللغوب، جمع لغب: التعب.
[2] أنضيت: أبليت.
[3] قيام الليل: قضاء الليل في الصلاة و التأمل.
[4] السّلو: النسيان.
[5] استجن: أستتر-النوائب: المصائب.
[6] ساورتني: و اثبتني.
[7] يلط: يستر، يرخي الستر.
[8] يجعل الشريف الرضي أمّه في مرتبة عليا، فهي نجيبة لأنها ولدت نجباء، و منهم الشاعر نفسه. و هذا المعنى نفسه نقع عليه عند المتنبي.