فلا حاجة إلى دعوى كون المراد من المشتبه من جهة الحكم الواقعي و الظاهري و ما لم يرد فيه التعليل فهو قابل للتخصيص، و عن المحقق النائيني (قدّس سرّه) أنه يحتمل قريبا أن يكون المراد في الأخبار الوارد فيها الأمر بالوقوف عند الشبهة فإن الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة أمر آخر، و هو أن الاقتحام في الشبهات يوجب وقوع المكلف في المحرمات لا أن نفس ارتكاب الشبهة حرام يوجب العقاب إذا صادف الحرام الواقعي، فإن الشخص إذا لم يجتنب عن الشبهات و عود نفسه على ارتكابها هان عليه ارتكاب المحرم، بخلاف من تعود نفسه على عدم ارتكابها، و قد ورد نظير ذلك في المكروهات حيث إن تعود النفس على ارتكابها و عدم مبالاته فيها رأسا يؤدي إلى جرأته على ارتكاب بعض المحرم، كما أن الشخص لو لم يعتن بالمعصية الصغيرة، و ارتكبها مرارا هانت عليه الكبيرة.
و بالجملة يحصل من التعود على ترك المشتبهات ملكة التجنب عن المحرمات و إلى ذلك يشير قوله (عليه السلام) في خطبته على ما في مرسلة الفقيه:
«و المعاصي حمى اللّه فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها» [1] و من الظاهر أن الوقوف عند الشبهة كذلك أمر مستحب كما هو الظاهر من قوله (عليه السلام): «أورع الناس من وقف عند الشبهة» [2].
أقول: كون الاحتياط في الشبهات موجبا لتعود الإنسان على ترك الحرام و إن كان أمرا صحيحا، و بهذا الاعتبار لا يبعد الالتزام بكونه أمرا مستحبا نفسيا، و قد ورد
[1] وسائل الشيعة 27: 161، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.
[2] وسائل الشيعة 27: 106، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.