مع أنه بحسب الواقع ليس له قرار، أو ليس له دوام و استمرار، و ذلك لأن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) الصادع للشرع، ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال، و أنه ينسخ في الاستقبال، أو مع عدم اطلاعه على ذلك، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه (تبارك و تعالى)، و من هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.
و حيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا، و إن كان بحسب الظاهر رفعا، فلا بأس به مطلقا و لو كان قبل حضور وقت العمل، لعدم لزوم البداء المحال في حقه (تبارك و تعالى)، بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة، و لا لزوم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ، فإن الفعل إن كان مشتملا على مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهي عنه، و إلّا امتنع الأمر به، و ذلك لأن الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لإرادته، فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته، و لم يكن الأمر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة، و إنما كان إنشاء الأمر به أو إظهار دوامه عن حكمة و مصلحة.
فإنّ الجاهل بها لخفاء جهة في الفعل يتخيّل أنّ فيه صلاحا ملزما فيأمر به و يبعث نحوه ثم يلتفت إلى جهة الفساد فيه فيلغي أمره به، نظير من يعتقد أنّ في المعاملة الكذائية ربح وافر و بعد العقد يلتفت إلى كونها خاسرة، فيفسخها بخيار أو إقالة، و النسخ بهذا المعنى يمكن وقوعه قبل حضور وقت العمل و بعده كما يحصل الفسخ في الاجارة قبل عمل الأجير أو بعده و لا يخفى أنّ استمرار الحكم و إلغائه خارجان عن مدلول خطابي الأمر و النهي لأنّ بقائه أو إلغائه متأخّران عن مرتبة الجعل، سواء كان المجعول حكما مؤقتا أو مستمرا و لا بدّ عند الشك في هذا النسخ كالشك في بقاء العقد أو فسخه من قبل ذي الخيار من استصحاب عدم النسخ كالاستصحاب في عدم فسخ المعاملة.