الظاهر: أن النهي (1) بمادته و صيغته في الدلالة على الطلب مثل الأمر بمادته و صيغته، غير (2) إن متعلق الطلب في أحدهما الوجود، و في الآخر العدم، فيعتبر فيه (3) ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت أصلا.
النواهي (1) النهي في اللغة: هو الزجر عن الشيء؛ سواء كان بالقول أو بالفعل. و في الاصطلاح: قد اختلفت عباراتهم في تعريفه؛ قيل: النهي هو قول القائل لمن دونه لا تفعل، و إنما يكون نهيا إذا أكره المنهى عنه.
و قيل: إنه طلب الترك بالقول على جهة الاستعلاء.
و قيل: إنه هو القول الدال على طلب الترك على جهة الاستعلاء.
و قيل: إنه طلب كفّ عن فعل بالقول استعلاء. و غيرها من الأقوال. و المصنف يقول:
إن النهي بمادته و صيغته يدل على الطلب مثل الأمر بمادته و صيغته؛ يعني: كما أنّ الأمر بمادته «أ م ر»، و صيغته- افعل- يدل على الطلب؛ فكذلك النهي بمادته، «ن ه ي»، و صيغته- لا تفعل- يدل على الطلب، فلا فرق بينهما في الدلالة على الطلب.
و إنما الفرق بينهما هو: في متعلق الطلب؛ بمعنى: أن متعلق الطلب- الذي هو مدلول الأمر- هو: الوجود، و متعلق الطلب- الذي هو مدلول النهي- هو: العدم، فالمطلوب من قوله: «صلّ» هو وجود الصلاة، و من قوله: «لا تشرب الخمر» عدم شرب الخمر.
(2) إشارة إلى ما ذكرناه من الفرق بين الأمر و النهي. و هناك فرق آخر بينهما و هو:
كون الأمر بالفعل ناشئا عن المصلحة فيه، و النهي عنه ناشئا عن المفسدة فيه- على ما هو الحق عند العدلية- من تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد في متعلقاتها.
و قد ظهر مما ذكرناه: ما هو محل النزاع في مبحث النواهي، و هو: النهي بالمعنى الاصطلاحي لا بمعناه اللغوي.
(3) يعني: فيعتبر في النهي ما يعتبر في الأمر؛ من اعتبار العلو دون الاستعلاء و غيره مما تقدم، و من كون التهديد و التعجيز و غيرهما من الدواعي لا من المعاني.