بلحاظ الأصالة و التبعية في الواقع و مقام الثبوت، حيث يكون الشيء تارة: متعلقا للإرادة و الطلب مستقلا للالتفات إليه بما هو عليه؛ مما يوجب طلبه فيطلبه، كان طلبه
يكون ذلك الشيء عليه من الملاك الموجب لطلب ذلك الشيء، فيطلبه و يأمر به، و هو المسمى حينئذ بالواجب الأصلي؛ من غير فرق بين ما كان طلبه نفسيا أو غيريا، ثم الواجب التبعي حينئذ ما يكون متعلقا لإرادة تابعة لإرادة غيره؛ كما أشار إليه بقوله:
«و أخرى متعلقا للإرادة تبعا لإرادة غيره؛ لأجل كون إرادته» أي: الشيء «لازمة لإرادته» أي: الغير.
و من هنا يظهر: أن كلا من الواجب النفسي و الغيري يتصف بالأصلي بهذا المعنى، و لا يتصف بالتبعي بهذا المعنى إلّا الواجب الغيري، إذ ليست الإرادة تابعة لإرادة غيره في الواجب النفسي.
و كيف كان؛ فظاهر المصنف: كون هذا التقسيم بلحاظ الأصالة و التبعية في مقام الثبوت تبعا للشيخ الأنصاري «(قدس سره)» لا بلحاظهما في مقام الإثبات و الدلالة، كما هو مذهب صاحبي القوانين و الفصول، حيث قال صاحب القوانين ما هذا لفظه: «و المراد من الوجوب الشرعي هو الأصلي الذي حصل من اللفظ، و ثبت من الخطاب قصدا» و هذا الكلام صريح في المطلوب.
و قال صاحب الفصول: «و ينقسم الواجب باعتبار آخر إلى أصلي و تبعي، فالأصلي:
ما فهم وجوبه بخطاب مستقل أي: غير لازم لخطاب و إن كان وجوبه تابعا لوجوب غيره. و التبعي: بخلافه، و هو ما فهم وجوبه تبعا لخطاب آخر و إن كان وجوبه مستقلا؛ كما في المفاهيم. و المراد بالخطاب: ما دل على الحكم الشرعي فيعم اللفظ و غيره»، فهما متفقان على كون التقسيم إلى الأصلي و التبعي ناظرا إلى مقام الإثبات و الدلالة.
و قد أشار المصنف إلى كون التقسيم المذكور بحسب مقام الإثبات بقوله: «فإنه يكون في هذا المقام أيضا تارة: مقصودا بالإفادة» أي: الشيء المطلوب «يكون في هذا المقام» أي: مقام الإثبات «أيضا» أي: كمقام الثبوت «تارة: مقصودا بالإفادة» بأن يكون سوق الكلام لإفادته، فتكون دلالة الكلام على طلبه استقلالا، «و أخرى:» يكون طلبه «غير مقصود بها» أي: بالإفادة «على حدة»، فلا يكون الكلام مسوقا لإفادته. فالأول: يكون مقصودا بالأصالة، و الثاني: يكون مقصودا بالتبع، فالأصالة و التبعية كما تكونان بحسب مقام الثبوت، كذلك تكونان بحسب مقام الإثبات و الدلالة؛ «إلّا إنه لازم الخطاب» أي:
الشيء المطلوب يكون لازم الخطاب فيما هو المقصود بالتبع.