و إنشاء إرادته بعثا نحو مطلوبه الحقيقي، و تحريكا إلى مراده الواقعي لا ينافي (1) اتصافه بالطلب الإنشائي أيضا.
و الوجود الإنشائي لكل شيء ليس إلّا قصد حصول مفهومه بلفظه، كان هناك طلب حقيقي أو لم يكن، بل كان إنشاؤه بسبب آخر (2).
و لعل (3) منشأ الخلط و الاشتباه تعارف التعبير عن مفاد الصيغة بالطلب المطلق، فتوهم منه (4): أن مفاد الصيغة يكون طلبا حقيقيا يصدق عليه الطلب بالحمل الشائع،
في بعض الأحيان، و افتراق كل واحد منهما عن الآخر؛ بأن يكون الفعل المأمور به متصفا لا محالة بالمطلوبية الإنشائية؛ إذ الطلب الإنشائي هو المطلوب، و المقصود حصول مفهومه بالصيغة، و قد لا يكون الفعل الذي تعلق به الإنشاء متصفا بالمطلوبية الحقيقية، فلا منافاة بين اتصافه بالمطلوبية الحقيقية و الإنشائية معا إذا كان هناك طلب باطني، و كان الإنشاء بداعي البعث.
و المتحصل من جميع ما ذكرناه هو: عدم حصر اتصاف الفعل بالمطلوبية الحقيقية حتى يكون هذا دليلا على كون مفاد الهيئة مصداق الطلب، فلا يكون قابلا للتقييد.
(1) قوله: «لا ينافي» خبر لقوله: «و اتصاف الفعل بالمطلوبية الواقعية». و معنى العبارة:
أن مطلوبية فعل حقيقة لا تنافي مطلوبيته إنشاء أيضا؛ لما عرفت من: أن النسبة بينهما عموم من وجه فتجتمعان.
فتلخص مما ذكرنا: أن مدلول الهيئة هو الطلب الإنشائي لا الطلب الحقيقي الذي في نفس المولى، و الطلب الإنشائي كلي، و كل كلي قابل للتقييد، فالطلب الإنشائي قابل للتقييد، و لازم ذلك: صحة التمسك بإطلاق الهيئة إذا لم تقيد بقيد.
(2) أي: بسبب آخر غير الطلب الحقيقي من سائر دواعي الإنشاء كالتهديد أو الامتحان في الأوامر الامتحانية.
(3) غرض المصنف من هذا الكلام هو: التنبيه على منشأ تخيّل كون مفاد الهيئة الطلب الحقيقي، و حاصل منشأ التوهم- على ما في «منتهى الدراية، ج 2، ص 224»- هو: تعارف التعبير عن مفاد الهيئة بالطلب المطلق، من دون تقييده بالحقيقي أو الإنشائي- و من باب قاعدة أن الشيء إذا ذكر مطلقا ينصرف الذهن إلى فرده الأكمل- هذا التعبير صار موجبا لتوهم: كون مفاد الصيغة طلبا حقيقيا لكونه فرده الأكمل يصدق عليه الطلب بالحمل الشائع.
(4) أي: فتوهم من الطلب المطلق: «أن مفاد الصيغة يكون طلبا حقيقيا ...» إلخ.