فالأولى أن يقال: إن الأثر المترتب عليه (1) و إن كان لازما؛ إلّا إن ذا الأثر لمّا كان معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله، بل بذمّ تاركه؛ صار متعلقا للإيجاب بما هو كذلك، و لا ينافيه كونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا؛ بخلاف الواجب الغيري؛ لتمحض وجوبه في أنه لكونه مقدمة لواجب نفسي.
(1) أي: على الواجب النفسي: «و إن كان لازما ...» إلخ، و قد أجاب المصنف عن الإشكال: بأن الفعل الواجب و إن كان يترتب عليه الأثر؛ إلّا إنه معنون بعنوان حسن في نفسه، و الإيجاب متعلق به بما إنه كذلك، و إن كان في الواقع مقدمة لأمر مطلوب واقعا.
و توضيح ذلك يتوقف على مقدمة و هي: أن الواجب باعتبار ما هو ملاك وجوبه و مناطه على ثلاثة أقسام:
1- أن يكون فيه ملاك الوجوب النفسي فقط: بأن يكون وجوبه لأجل حسنه الذاتي، و لم يكن الواجب مقدمة لواجب آخر؛ كالمعرفة بالله سبحانه.
2- أن يكون فيه ملاك الوجوب الغيري فقط: بأن يكون وجوبه لأجل حسن غيره، سواء كان في نفسه و ذاته حسنا؛ كالوضوء و الغسل و التيمم، أم لم يكن كذلك؛ كقطع الطريق و المسافة مقدمة للحج.
3- أن يكون فيه كلا الملاكين: بأن يكون وجوبه لأجل حسنه الذاتي؛ بحيث يستقل العقل بمدح فاعله، و ذمّ تاركه، و إن لم يلتفت إلى ما يترتب عليه من الأثر و الفائدة، ففيه ملاك الوجوب النفسي لأجل حسنه الذاتي، و ملاك الوجوب الغيري باعتبار كونه مقدمة لواجب آخر؛ كالصلاة و الحج و غيرهما من الواجبات النفسية.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إن الواجب النفسي في المقام هو من قبيل القسم الأخير، فهذا القسم من الواجبات و إن كان تترتب عليه آثار و فوائد لازمة، و لكن وجوبه و البعث نحوه ليس باعتبار ترتب هذه الفوائد و الآثار عليه؛ بل باعتبار حسنه الذاتي، و كونه معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله و ذم تاركه، فقد اجتمع فيه ملاك النفسية و الغيرية، و لكن البعث نحوه، و تعلق الوجوب به إنما هو باعتبار حسنه الذاتي و ملاكه النفسي؛ لا باعتبار مقدميته لغيره.
و بعبارة أخرى: كان وجوبه النفسي باعتبار كونه معنونا بعنوان حسن، فلذا سمي واجبا نفسيا، كما أن الواجب الغيري هو ما كان الداعي إلى البعث نحوه ملاك المقدمية، و هذا لا ينافي وجود الملاك النفسي فيه أيضا.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح ما أجاب به المصنف عن الإشكال، و هو اندراج الواجب النفسي في الواجب الغيري.