قلت: (1) العقاب إنما يتبع الكفر و العصيان التابعين للاختيار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما، فإن «السعيد سعيد في بطن أمه، و الشقي شقي في بطن أمه»(*)و «الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة»(**)كما
(1) توضيح ما أفاده المصنف في الجواب عن إشكال الجبر يتوقف على مقدمة و هي:
أن الممكن مركب من الماهية و الوجود، فقد اتفق الفلاسفة على عدم كليهما من فعل اللّه؛ بمعنى: أنه لا يكون كلاهما مجعولين بل المجعول هو أحدهما فقط إما الماهية و إما الوجود، ثم الأثر يترتب على ما هو المجعول، و ينسب أثر ما هو المجعول منهما إلى اللّه تعالى. و لا يصح أن ينسب أثر ما هو غير المجعول إلى الله «عزّ و جل»، ثم الأرجح هو قول من يقول إن المجعول هو الوجود دون الماهية، بل لا يعقل أن تكون الماهية مجعولة، لأن ثبوت شيء لنفسه ضروري و لذا قيل: «ما جعل الله المشمشة مشمشة، بل أوجدها» فحينئذ إذا لم تكن الماهية مجعولة لم تكن آثارها مجعولة و منسوبة إلى اللّه تعالى.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إن إرادة الكفر من الكافر و العصيان من العاصي ناشئة من سوء سريرتهما و هو ناشئ من شقاوتهما، و الشقاوة إما ذاتي لهما أو من لوازم ذاتهما و ماهيتهما و الذاتي لا يعلل، فينقطع السؤال بأنه لم جعل السعيد سعيدا و الشقي شقيا؟ إذ قد عرفت: أنه لا يصح أن تنسب الشقاوة و السعادة و لا آثارهما من الكفر و العصيان، و الإطاعة و الإيمان إلى الله تعالى، لأن السعيد سعيد بنفسه، و الشقي شقي كذلك، و إنما أوجدهما الله تعالى لأن الوجود خير محض و فيض من الله «عزّ و جل»، لأن الله فياض على الإطلاق.
و من هنا يعلم: أن المؤاخذة في اختيار الكفر و العصيان ليست لأجل الاستحقاق حتى يرد عليه الإشكال بأن يقال: إنه لا استحقاق مع عدم الاختيار، بل المؤاخذة هي من اللوازم الذاتية المترتبة على الكفر و العصيان الناشئين من الخبث الذاتي ترتب المعلول على العلة كما أشار إليه بقوله: «العقاب إنما يتبع الكفر و العصيان»، فإذا انتهى الأمر إلى الذاتي
(*) في التوحيد، ص 356، ح 3/ تفسير القمي، ج 1، ص 227/ غوالي اللآلي، ج 1، ص 35، ح 19: «الشقي من شقي في بطن أمه، و السعيد من سعد في بطن أمه ...».
و في مصباح الزجاجة، ج 1، ص 9، سنن ابن ماجة، ج 1، ص 18، ح 46/ الجامع لمعمر بن راشد، ج 11، ص 116، ح 20076/ المعجم الأوسط للطبراني، ج 18، ص 31، ح 7871 إلخ: «.. الشقي من شقي في بطن أمه، و السعيد من وعظ بغيره ...».
(**) مشكاة الأنوار، ص 260/ مسند الشهاب، ج 1، ص 145، ح 195/ صحيح مسلم، ج 4، ص 2030، ح 2638.