في الخبر و الذاتي لا يعلل (1)، فانقطع سؤال: أنه لم جعل السعيد سعيدا و الشقي شقيا؟
فإن السعيد سعيد بنفسه، و الشقي شقي كذلك، و إنما أوجدهما اللّه تعالى «قلم اينجا رسيد سر بشكست» (2)، قد انتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الأفهام، و من الله الرشد و الهداية، و به الاعتصام.
ينقطع السؤال لأن الذاتي لا يعلل، فلا يقال: لم اختار المؤمن الإيمان، و الكافر الكفر؛ إذ المفروض: أنهما من لوازم ذاتهما، و إلى هذا يشير الحديث المعروف «السعيد سعيد في بطن أمه و الشقي شقي في بطن أمه» و «الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة».
فعلى هذا لا يلزم الجبر بالمعنى الذي يقول به الأشاعرة؛ من أن أفعال العباد كلها من الله، و أوجدها بواسطة العباد، و العبد بمنزلة آلة لها. نعم؛ يلزم الجبر بالمعنى الآخر أعني:
الجبر الأخلاقي، لأن الفعل ليس باختيار المكلف لو كان ناشئا من شقاوته الذاتية، و لكن نظر المصنف إنما هو إلى ردّ الجبر المشهور المنسوب إلى الأشاعرة؛ فإنه قد أجاب عن هذا الجبر بما يرجع إلى الجبر الأخلاقي. و لازم ذلك: أن الثواب و العقاب ليسا لأجل الاستحقاق؛ بل هما من اللوازم الذاتية للأفعال الحسنة و القبيحة؛ المنتهية إلى الشقاوة و السعادة الذاتيتين؛ كما هو رأي جماعة من الفلاسفة.
(1) أي: معناه ما عرفت من: أن ماهيات الأشياء التي هي مواد الموجودات ليست مجعولات، بل هي بنفسها متقررة في عالمها، فالشقي شقي بنفسه لا أنه تعالى جعله شقيا بإرادته التكوينية ليقبح تكليفه و عقابه، فكفره مستند إلى شقاوته الذاتية. نعم؛ لو قلنا: بأن الله تعالى جعل الشقي شقيا يلزم الجبر و لا يجدي في دفعه ما قيل من: أن الذاتي لا يعلل. فتدبر.
فالمتحصل من كلام المصنف: أن السعادة و الشقاوة ذاتيتان للناس؛ كذاتية الذهبية و الفضيّة للذهب و الفضة، و العقاب إنما بتبعة الكفر و العصيان و هما مستندان إلى الاختيار، و الاختيار إلى مقدماته، و مقدماته إلى الشقاوة، و الشقاوة ذاتية، و الذاتي لا يعلل نظرا إلى ما عرفته من كون الذاتيات ضرورية الثبوت للذات.
[المراد من الخبر المعروف «السعيد سعيد في بطن أمه»]
(2) أي: قلم اينجا رسيد سر بشكست جون بيرون از حد خود نوشت، لأن حد القلم و وظيفته في المقام تحرير مسائل الأصول و قواعدها؛ لا تحرير مسائل الكلام و الاعتقاد، لا سيما مسألة القضاء و القدر التي لا تدركها العقول، و لا تسعها الأفهام، فإن كل شيء إذا انحرف عن مسيره يقع في ورطة و في معرض الحوادث. هذا في غير الأمور الاعتقادية. و أما في الأمور الاعتقادية: فالانحراف ربما يؤدي إلى الهلاك الدائم