[مستوفاً بينهما بالاعتدال أو بالتعفير كما قال المصنّف:] (و يستحب التعفير بينهما) [1]. [و المعتبر في التعفير الوضع على العفر، و هو التراب. و محل التعفير خديه أو جبينيه أو الجميع أو احداهما].
-
(1) الظاهر في كونه مستحبّاً آخر غير معتبر في الكيفيّة للمكلّف تركه، و الاقتصار على سجدتين ملاحظاً للتركيب فيهما لا الآحاد فلا يخلو من توقّف. اللّهمّ إلّا أن يكون منشؤه التسامح مع عدم حمل المطلق على المقيّد. و لذا تسرّى شيخنا في كشفه ( [1]) إلى ما عرفت، مع أنّ في بعض النصوص إشعاراً ببعضه كالاقتصار على التعفير من غير عود للسجود و غيره ممّا عساه يستفاد من النصوص السابقة و غيرها. قال سليمان: خرجت مع أبي الحسن موسى (عليه السلام) إلى بعض الأماكن فقام إلى صلاة الظهر، فلمّا فرغ خرّ للّٰه ساجداً، فسمعته يقول بصوت حزين و تغرغر دموعه: «ربّ عصيتك بلساني و لو شئت و عزّتك لأخرستني، و عصيتك ببصري و لو شئت و عزّتك لأكمهتني، و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزّتك لأصممتني، و عصيتك بيدي و لو شئت و عزّتك لكففتني، و عصيتك برجلي و لو شئت و عزّتك لجذمتني، و عصيتك بفرجي و لو شئت و عزّتك لعقمتني، و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها عليَّ و ليس هذا جزاك منّي، قال: ثمّ أحصيت له ألف مرّة و هو يقول: العفو العفو، قال: ثمّ ألصق خدّه الأيمن بالأرض فسمعته و هو يقول بصوت حزين: بؤتُ إليك بذنبي، عملت سوء و ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي ثلاث مرّات، ثمّ ألصق خدّه الأيسر بالأرض فسمعته و هو يقول: ارحم من أساء و اقترف و استكان و اعترف ثلاث مرّات، ثمّ رفع رأسه» ( [2]). و الأمر في ذلك كلّه سهل، خصوصاً بعد مشروعيّة العود بعد التعفير؛ إذ هو تعدّد سجود. و المراد بالتعفير الوضع على العَفَر، و هو التراب، و مقتضاه اعتباره في حصول وظيفة التعفير، لكن في الذكرى: «الظاهر تأدّي السنّة بالوضع على ما اتّفق و إن كان التراب أفضل» ( [3]). و هو لا يخلو من تأمّل. و ظاهر أكثر النصوص كون محلّ التعفير الخدين، كما كان يصنعه موسى بن عمران ( [4]) و به نال ما نال. و هو معقد صريح إجماع المنتهى و عن ظاهر المعتبر ( [5])، كما أنّ أصل استحباب التعفير بين السجدتين معقد إجماع غير واحد من الأصحاب.
لكن في الذكرى و غيرها ممّن تأخّر عنها [كون محلّ التعفير] الجبينين ( [3]) مخيّراً بينهما و بين الخدّين في بعض ( [7]) و مقتصراً عليهما في آخر ( [1]). و لعلّه للمرسل المشهور: أنّ «من علامات المؤمن تعفير الجبينين» ( [9]). و فيه- كما في الحدائق ( [10]): أنّ من المحتمل بل الظاهر إرادة الجبهة من الجبين، بقرينة إفراده في الذكر، و جعله من علامات المؤمنين كالتختّم باليمين، من حيث إنّ المخالفين لا يرون سجود الشكر، على أنّه لا دلالة فيه على البينيّة في السجدتين، و لعلّه لذلك قال في المنظومة بعد البيت السابق:
يعفر الخدّ أو الجبينا * * * مقدّماً من ذلك اليمينا
و الخدّ أولى و به النص جلا * * * و في الجبين قد أتى محتملا ( [3])
و قد يناقش ما في الحدائق بأنّ المحكيّ عن الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر استحباب سجود الشكر في المواضع الثلاثة، و إنّما أطبقوا على نفي التعفير ( [10]). و في كشف اللثام: «يستحبّ أن يعفّر بينهما خدّيه، أو جبينيه، أو الجميع، أو إحداهما، فهو كالسجود ممّا شهد بفضله الأخبار و الاعتبار و انعقد عليه إجماعنا، و لمّا أنكره الجمهور كان من علامات الإيمان» ( [7]). و هو جيّد جدّاً.