نعم، قد يتوهّم خلافه في الحفيرة، و لمّا كان الخلاف فيها في غاية الضعف- لا يناسب وقوعه من أصاغر الطلبة فضلًا عن شيخ الطائفة- وجب حمل عبارته:
1- إمّا على إرادة الوجوب من الجواز إذا فرض توقّف وقوع السليم عليه.
2- أو إرادة بيان جواز ذلك اختياراً مع فرض عدم التوقّف.
3- أو إرادة بيان حكم جديد و هو التخيير- في صورة تعذّر الجبهة و الجبينين بالاستيعاب و نحوه- بين وضع الذقن و بين حفر حفيرة يضع فيها الدمل و إن لم يماسّ شيئاً من الأرض:
1- تحصيلًا لهيئة السجود و لتمام الانحناء.
2- و لأنّ أصل الوضع واجب في السجود، و قد تعذّر فلا يسقط غيره. فللجمع بين ذلك و بين الخبر خيّر بين وضع الذقن و بينه، بل لو لا الخبر المزبور كان هو المتّجه بحسب القواعد، و لعلّه لذا أوجب تقديمه ابن حمزة على الذقن.
4- قال- كما في الذكرى-: «يسجد على أحد جانبيها، فإن لم يتمكن فالحفيرة، فإن لم يتمكّن فعلى ذقنه» ( [1]). بناءً على إرادة الجبينين من جانبيها، أي الجبهة. فما في الكشف- بعد أن اعترف أنّ الظاهر جانبا الجبهة- من أنّه «لمّا قدم السجود عليهما [و] على الحفيرة لم يكن بدّ من أن يريد الجانبين منها لا الجبينين» ( [2]) كما ترى؛ إذ لا جهة حينئذٍ لتقديمهما [/ الجانبين] عليها؛ ضرورة جوازها [/ الحفيرة] و إن تمكّن من السجود عليها بدونها، كما أنّه لا معنى لإرادة الجانبين من الجبهة، و جانب الشيء ما خرج عنه لكنّه في جنبه، كما هو واضح. فمن الغريب تجشّم هذا الفاضل بمثل هذه الخرافات. و الذي ألجأه إلى ذلك وحشة التفرّد فيما اختاره من عدم بدليّة الجبينين أصلًا التي هي من القطعيّات بين الأصحاب، و لم يذكر أحد منهم فيها [/ في البدلية] شكّاً و لا إشكالًا حتى مَن عادته الوسوسة في القطعيّات.
5- و أمّا الصدوقان فقد قالا في الرسالة و المقنع: «إنّ ذا الدمل يحفر له حفيرة، و أنّ من بجبهته ما يمنعه سجد على قرنه الأيمن من جبهته، فإن عجز فعلى قرنه الأيسر منها، فإن عجز فعلى ظهر كفّه، فإن عجز فعلى ذقنه» ( [3]). و نحوهما المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) ( [4]).
فالظاهر إرادتهما الجبينين من القرنين بدليل تقييدهما ذلك بالجبهة، فيكون المراد بالقرن الطرف و الناحية. كما في قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «قرني شيطان» ( [5]). و قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «يا عليّ إنّ لك بيتاً في الجنة و أنت ذو قرنيها» ( [6]). و نحوهما من الاستعمالات السائغة بعد القرينة.
نعم قد يظن منهما [/ الصدوقين] في بادئ النظر الفرق بين الدمل و غيره، مع أنّه بعد التأمّل- خصوصاً في المحكي من فقه الرضا (عليه السلام) الذي يوافقهما في التعبير غالباً، بل الظاهر أنّه لهما- ليس كذلك.