نعم ينبغي أن يعلم أنّ المدار في صدق امتثال الأمر بالكلمة المشتملة على الضاد صدق ذلك عليه في عرف القارين كغيره من الحروف [2].
-
9/ 400/ 652
(1) [فما] عن البهائي: «أنّ أبا عمر و ابن العلاء- و هو إمام في اللغة- ذهبا إلى اتّحادهما، و أقاما على ذلك أدلّة و شواهد» ( [1])، و هو و إن كان خلاف التحقيق- ضرورة كونهما متقاربي المخرج لا متّحدين- لكنّه أوضح شاهد على بطلان ما يحكى ( [1]) عن عوامّ الخاصّة و علماء العامّة من المصريّين و الشاميّين من النطق بها ممزوجة بالدال المفخمة و الطاء المهملة، معرضين عن الضاد الصحيحة الخالصة التي نطق بها أهل البيت (عليهم السلام)، و أخذ عنهم العراقيّون و الحجازيّون.
و هذا الاختلاف على قديم الدهر و سالف العصر بين علماء الخاصّة و العامّة، و إن حكي عن جماعة منهم موافقة الخاصّة في ذلك، كالشيخ عليّ المقدسي ( [3]) الذي قد صنّف في ذلك رسالة رجّح بها ضاد العراقيّين و الحجازيّين.
و ردّ عليه الشيخ عليّ المنصوري في رسالة ألّفها أيضاً ( [3])، و كان ممّا ردّ فيها عليه: أنّ النطق بالضاد قريبة من الظاء ليس من طريق أهل السنّة المتّبعة، و إنّما هو من طريق الطائفة المبتدعة.
و هي شهادة منه على طريقتنا المأخوذة يداً بيد إلى النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم)، القائل: «إنّي أفصح من نطق بالضاد» ( [5]).
و فيه إشعار أيضاً بالمطلوب؛ ضرورة تيسّر ضادهم لكلّ أحد حتى النساء و الصبيان، فلا يناسب ذكر اختصاصه (عليه السلام) بالأفصحيّة، بخلاف الضاد الذي ذكرناه، فإنّه ممّا يعسر فعله بحيث يتميّز عن الظاء كما اعترف به بعضهم، قال راجزهم:
و الضاد و الظاء لقرب المخرج * * * قد يؤذنان بالتباس المنهج ( [6]
)
و قال آخر:
و يكثر التباسها بالضاد * * * إلّا على الجهابذ النقّاد ( [6])
و يقرب من ذلك المحكي عن السخاوي و الجزري و ابن امّ القاسم، بل قال الأخير منهم: «إنّ التفرقة بينهما محتاجة إلى الرياضة التامّة» إلى غير ذلك ممّا ليس هذا محلّ ذكره.
(2) فوسوسة كثير من الناس في الضاد و ابتلاؤهم بإخراجه و معرفة مخرجه، في غير محلّها. و إنّما نشأ ذلك من بعض جهّال من يدّعي المعرفة بعلم التجويد من بني فارس المعلوم صعوبة اللغة العربيّة عليهم. و إلّا فمتى كان اللسان عربيّاً مستقيماً خرج الحرف من مخرجه من غير تكلّفه ضرورةً، و إلّا لم يصدق عليه اسم ذلك الحرف عرفاً كما هو واضح، و على ذلك بنوا وصف مخارج الحروف. و تقسيمهم لها إلى شفويّة مثلًا و غيرها لبعض الأغراض المتعلّقة لهم بذلك، و ليس المقصود منه تميّز النطق بالحروف قطعاً، فإنّ ذلك يكفي فيه صدق الاسم و عدمه، و لا يحتاج إلى هذا التدقيق الذي لا يعلمه إلّا الأوحديّ من الناس، بل لا يمكن معرفته على وجه الحقيقة إلّا لخالق الخلق الذي أودعهم قوّة النطق، و اللّٰه أعلم.