و بالعكس، و إن كان بعد التأمّل ربّما يرجع إلى ما ذكرنا. و ربّما قيل: إنّ المراد منه بيان ترجيح صلاة الماشي على القاعد لا تحديد العجز، كما حكي عن جماعة اختياره، منهم المفيد و الفاضل و الشهيد الثاني ( [1])؛ مؤيّدين له بأنّه إنّما فقد الاستقرار، و هو كفقد الاستقلال المقدّم على القعودِ الرافع لأصل القيام. و فيه:
1- مع أنّ المشي إن كان فيه انتصاب ليس في القعود، ففي القعود استقرار ليس في المشي.
2- إنّ مجرّد هذا الاحتمال في الخبر المزبور لا يجسر به على إثبات هذه الكيفية من العبادة المسلوب عنها اسم الصلاة في عرف المتشرّعة؛ إذ لم يرد بها غيره قول و لا فعل كما اعترف به في كشف اللثام ( [2]).
9/ 260/ 417
و دعوى اندراجها فيما دلّ على اشتراط الانتقال إلى القعود بعدم استطاعة القيام- لأنّه في الفرض مستطيع للقيام- مقطوع بعدمها؛ ضرورة انسياق ما لا يشمل المشي من القيام فيها، إمّا لعهديّة اللام أو لأنّ المراد من القيام هنا في النصوص و الفتاوى الوقوف، و لذا لم يذكر الأكثر اشتراط الاستقرار في القيام، و لا عقدوا له فصلًا، و إن كان الإجماع متحقّقاً على اعتباره فيه كغيره من أفعال الصلاة و لو الحال المندوب منها، قال العلّامة الطباطبائي:
لا تصلح الصلاة في اختيار * * * إلّا من الثابت ذي القرار
و ذاك في القيام و القعود * * * فرض و في الركوع و السجود
يعمّ حال فرض تلك الأربعة * * * و الندب بالإجماع في فرض السعة
و هي بمعنى الشرط في المندوب * * * فلا ينافي عدم الوجوب ( [3])
لكن عدم ذكره هنا [/ في القيام] بالخصوص مع ذكره في الركوع و السجود و غيرهما ليس إلّا لإرادتهم منه الوقوف الذي ينافيه الحركة فضلًا عن المشي؛ ضرورة كونه بمعنى السكون، يقال: واقف؛ أي غير متحرّك.
و ربّما كان وصف القيام بالطول- و تقدير مسافة ما بين القدمين بالشبر مثلًا في بعض النصوص ( [4])، و ما يحكى من حال سيّد الساجدين (عليه السلام) من أنّه لا يتحرّك منه إلّا ما حرّكته الريح ( [5]) و نحوها- مشعراً به، فيدلّ على المطلوب [و هو ترجيح القعود على الصلاة ماشياً] في جميع النصوص ( [6]) الدالّة على الانتقال إلى الجلوس بتعذّر القيام، كما تنبّه له العلّامة الطباطبائي، فإنّه بعد ما حكى عن المفيد ترجيح المشي قال:
و رجّح القول به في التذكرة * * * و هو خلاف ظاهر المعتبرة ( [7]
)
بل لعلّه إلى هذا أومأ الشهيد في دعوى ركنيّة القرار في القيام ( [8])؛ ضرورة عدم مدخليّته في أصل القيام؛ لصدقه على المضطرب بل على الماشي قطعاً، و إنّما هو معتبر في الوقوف.