و خالف في ذلك العلّامة (رحمه الله) في بعض كتبه [1]، و في بعضها [2] وافق المشهور كما قيل [3].
أ- و لم أعثر على موافق له في هذه الدعوى ممّن تأخّر عنه سوى الشهيد الثاني [4]، و ما لعلّه يظهر من المقداد في التنقيح.
مع أنّ المنقول [5] عن الأوّل أنّه رجع عنه، و أنّ الذي استقرّ رأيه عليه آخراً الطهارة، و عبارة الثاني غير صريحة في ذلك. قال في التنقيح: «و هل يشترط كرّيته أم لا؟ أطلق المصنف الحكم بطهارته، و قيّده العلّامة بالكرّية، و هو أولى، ليدخل تحت إطلاق قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً» [6]، و الإجماع على العمل بمفهومه. و قال الشهيد: إن جرى عن مادة فلا يشترط الكرّية [نعم بشرط دوام النبع]، و لا عنها يشترط. و هو حسن و عليه الفتوى» [7]. و كلامه الأخير ظاهر فيما ذكرنا، فتأمّل.
ب- و لا نقل عن أحد ممّن تقدّمه، نعم نقل عن المرتضى (رحمه الله) و الصدوقين بعض العبارات المفصّلة في الكرّية و عدمها من غير تعرّض للجاري و غيره [8]، و هي ليست صريحة في ذلك، بل نقل عن الصدوقين أنّ لهم عبارات اخر في غير المقام الأوّل حاكمة على ذلك 9، فتأمّل جيّداً.
و كيف كان، فالأقوى الأوّل:
1- للأصل، بل الاصول.
2- و ما سمعت من الإجماعات المنقولة، بل يمكن دعوى تحصيله.
3- و الأخبار الحاكمة بعدم نجاسة الماء بغير التغيير و الغلبة، و هي كثيرة قد سمعت جملة منها. و منها: الدالّة على أنّ ماء الحمام بمنزلة الجاري [10]؛ إذ لو كان الجاري يشترط فيه الكرّية لم يكن للتشبيه به من جهة الطهارة معنى. و منها: الأخبار المتضمّنة للمادة، المعلّلة عدم النجاسة بوجود المادة، و خصوص موردها لا يخصّها بذلك، على أنّه لو كانت الكريّة شرطاً لم يكن للتعليل معنى. و ربّما استدلّ بما دلّ على نفي البأس عن البول في الماء الجاري [11]، و لعلّه لا يخلو من تأمّل، لكن لا بأس بأخذه مؤيّداً، سيّما مع الانجبار بما سمعت. و منها: ما دلّ على عدم نجاسة الجاري، كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما روي عنه: «الماء الجاري لا ينجّسه شيء» [12]. و عن دعائم الإسلام: «في الماء الجاري يمرّ بالجيف و العذرة و الدم يتوضّأ منه و يشرب، و ليس ينجّسه شيء ما لم تتغيّر أوصافه، طعمه و لونه و ريحه» [13]. و عن الفقه الرضوي: «اعلموا رحمكم اللّٰه أنّ كلّ ماءٍ جارٍ لا ينجّسه شيء» [14].