نعم، بقي في المقام شيء لا بدّ من التنبيه عليه، و هو أنّ التغيّر بالمتنجّس إن كان بصفاته الأصلية فقد عرفت أنّ الأقوى عدم التنجيس.
و أمّا إذا كان التغيّر به بالصفات المكتسبة من النجاسة، فمثل الماء أو اللبن و نحوهما من المتنجّس بدم و نحوه حتى غيّر لونهما، ثمّ إنّهما تنجّس بهما الجاري أو الكثير حتى تغيّر لونهما بذلك- أي باللون المكتسب من النجاسة بالدم- ففيه إشكال.
و الأقوى في نظري أنّه متى حصل التغيّر في الجاري أو الكثير مع استناد التغيّر إلى تلك النجاسة التي تنجس بها المتنجّس نجس الماء، و إلّا فلا (1).
[عدم اشتراط الكرّية في الجاري]:
[الأقوى عدم نجاسة الجاري مطلقاً سواء كان قليلًا أو كثيراً إلّا مع التغيّر] (2).
(1) أمّا الأوّل فلدخوله تحت الأدلّة حينئذٍ.
و أمّا الثاني فلعدم صدق تغيّره مع ملاقاة عين النجاسة، إذ ليس المدار على وصف النجاسة كيفما كان، بل لا بدّ من مباشرة عينها للماء، فلونها المكتسب منها بعد اضمحلال عينها و استهلاكها لا ينجّس الماء حينئذٍ؛ للُاصول و العمومات، و النبوي لا جابر له. و لعلّه إلى ذلك يرجع ما أطنب به العلّامة الطباطبائي من النجاسة إذا كان التغيّر بواسطة المتنجّس [1]، بخلاف ما إذا كان بلون المتنجّس و طعمه و ريحه التي هي صفات أصليّة له، و إلّا كان محلّاً للنظر؛ باعتبار عدم ملاقاة عين النجاسة له، و لا عبرة بأوصافها مع عدم ملاقاتها؛ ضرورة كونها حينئذٍ كالمجاورة خصوصاً في الريح و نحوه، فتأمّل جيّداً.
(2) و ظاهر المصنف- بل كاد يكون صريحه- عدم نجاسة الجاري مطلقاً سواء كان قليلًا أو كثيراً؛ لتقييده في المحقون بالكرّية و إطلاقه في الجاري، و مثله كثير من الأصحاب. بل قال في المعتبر: «و لا ينجس الجاري بالملاقاة، و هو مذهب فقهائنا أجمع- إلى أن قال بعد ذلك:- و لا الكثير من الراكد» [2]، فعلم أنّه لا فرق بين قليل الجاري و كثيره.
و عن شرح الجمل لابن البرّاج: نقل الإجماع على عدم نجاسة الجاري، مع التصريح فيه بعدم الفرق بين القليل و الكثير [3]، و مثله عن الغنية [4].
و ربّما ظهر من عبارة الخلاف نقل الإجماع [5] على ذلك. و في الذكرى: إنّي «لم أقف فيه على مخالف ممّن سلف» [6]، أي ممّن تقدّم على العلّامة.
و نسب رأي العلّامة [بنجاسة الجاري القليل بالملاقاة] في جامع المقاصد إلى مخالفة مذهب الأصحاب [7].
و عن حواشي التحرير: نقل الإجماع صريحاً على عدم اشتراط الكرّية [8]. و ربّما ظهر من المصابيح دعوى الإجماع أيضاً 9. و يمكن للمتأمّل المتروّي في كلمات الأصحاب تحصيل الإجماع على عدم اشتراط الكرّية.