إذا عرفت ذلك، فالمتّجه حينئذٍ تفسير القربة بما يظهر من بعضهم من موافقة الإرادة و قصد الطاعة و الامتثال (1).
(1) فإنّه حينئذٍ يدلّ عليه جميع ما دلّ على وجوب الإخلاص كتاباً و سُنّة، كقوله تعالى: (وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[1]. مضافاً إلى توقّف تحقّق قصد الطاعة و الامتثال المأمور بهما في الكتاب و السنّة عليها.
لا يقال: إنّ القول باشتراط القربة بالمعنى المتقدّم قد يكون منشؤه الإجماع على وجوبها مع ظهورها في ذلك، و به تمتاز عن نيّة غيرها من قصد جلب الثواب أو دفع العقاب.
بل ممّا يرشد إليه ما نقل عن ابن طاوس في البشرى أنّه قال: «لم أعرف نقلًا متواتراً و لا آحاداً يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة، لكنّا علمنا يقيناً أنّه لا بدّ من نيّة القربة، و لو لا ذلك لكان هذا من باب اسكتوا عمّا سكت اللّٰه عنه» [2] انتهى.
فإنّ قوله: «و لو لا ذلك ... إلى آخره» ظاهر في إرادة القربة بالمعنى الأوّل [أي قصد وقوع الفعل تحصيلًا للقرب]، و إلّا ففي المعنى الثاني [أي موافقة الإرادة و قصد الطاعة و الامتثال] لا يكون من باب «اسكتوا عمّا سكت اللّٰه عنه».
لأنّا نقول: أمّا دعوى الإجماع على اشتراط نيّة القربة بالمعنى المتقدّم [أي قصد وقوع الفعل تحصيلًا للقرب إلى اللّٰه] إن لم يكن ممنوعاً فهو محل الشكّ. و ما ذكره من كلام ابن طاوس لا دلالة فيه على ذلك؛ لأنّه قد يكون المقصود منه المعنى الثاني [أي موافقة الإرادة و قصد الطاعة و الامتثال].
و لو لا ما ذكرنا من الأدلّة عليه من توقّف الإطاعة و الامتثال و أدلّة الإخلاص التي أفادتنا اليقين بذلك، لكان من باب «اسكتوا عمّا سكت اللّٰه عنه» و هو كذلك.
و احتمال القول: إنّه لا فرق معنوي بين المعنى الأوّل للقربة و الثاني فيه ما لا يخفى.
نعم، قد يظهر من ابن زهرة في الغنية [3] إيجاب معنيي القربة [أي قصد وقوع الفعل تحصيلًا للقرب إلى اللّٰه.
و الثاني: موافقة الإرادة و قصد الطاعة و الامتثال]. متمسّكاً للأوّل منهما بنحو: