و لا يمكن جريان ما وصل إلينا من المطهّرات عليه حتى بالاستحالة بممازجة دون الكرّ من الماء مثلًا، بل و الاستهلاك به؛ بناء على أنّ الاستحالة إنّما تفيد طهارة ما كانت النجاسة دائرة مدار اسمه كالكلب و الخنزير و نحو ذلك، فإذا استحالت إلى موضوع آخر لا يطلق عليه هذا الاسم اتّجه الحكم بطهارتها.
أمّا إذا كان لحوق وصف النجاسة ليس دائراً مدار الاسم، بل مدار الذات، و هي بالاستحالة لم تذهب، فلا تفيد استحالة المتنجّسات طهارة؛ لما عرفت. بل و [بناء] على غيره أيضاً [لا يطهر]؛ باعتبار كون الاستحالة و الاستهلاك في الفرض إلى ما تنجّس به من الماء و الاستهلاك به، فأقصاه انقلابه إلى ماء متنجّس، كما هو واضح.
نعم، لو فرض إمكان انقلابه إلى الماء حقيقة بنفسه مثلًا، و قلنا: إنّ الاستحالة تطهّر النجس و المتنجّس، أمكن دعوى طهارته.
لكن يظهر من بعضهم [1] أنّه لا يطهر إلّا بالكثير. و لعلّه:
1- لعدم إمكان الفرض [أي انقلابه بنفسه].
2- أو عدم كون مثل هذا الانقلاب مطهّراً، و القياس على الخمر المنقلبة خلّاً باطل، فتأمّل جيّداً.
و على كلّ حال، فالمضاف قابل لأن ينقلب إلى جسم قابل للتطهّر، فإذا انقلب مثلًا إلى المائية و لو بامتزاجه بماء قليل أو علاج آخر صار حاله حال الماء يطهّره ما يطهّره، و حيث يمتزج به كثير لا يحكم بطهارة المضاف حتى يستهلكه المطلق و يكون ماءً مطلقاً، فيطهر حينئذٍ بالكثير، و ليس هذا تطهيراً للمضاف نفسه كما هو واضح.
و الظاهر أنّه لا حاجة إلى ترتّب زماني [في طهارة المضاف]، بل أوّل زمان زوال مضافيّته زمان طهارته؛ لكون السبب في الطهارة موجوداً، و كان تأثيره موقوفاً على زوال المانع، فعنده حينئذٍ تتمّ العلّة، و ترتّب المعلول عليها لا يحتاج إلى زمان.
لا يقال:
حال الماء المضاف كحال الماء، فكيفية تطهيره كيفية تطهيره.
لأنّا نقول:
هو- مع أنّه قياس- فيه: أنّ الفرق بينهما واضح من وجهين:
الأوّل: لأنّ الماء يمكن سريان الطهارة فيه باعتبار تطهير بعض الأجزاء، و هي تطهّر غيرها، و هكذا.
و [الوجه] الثاني: لأنّ الماء من جهة اتّحاده و صيرورتهما ماء واحداً، و قالوا: ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس.
و كلّ من الوجهين لا يتأتّى بالمضاف، و لم أجد مخالفاً فيما ذكرت إلّا ما نقلناه عن العلّامة [2](رحمه الله)، و قد عرفت فساده بما لا مزيد عليه.