بل يمكن القول بالطهارة مطلقاً حتى بإلقاء الكرّ (1).
و الظاهر أنّه بحكم الجاري الغيث إن قلنا بالمقدّمة السابقة- و هي ليس لنا ماء واحد ...- بل و إن لم نقل (2).
و هل يطهر جميع مائها بإجرائها (3)، أو الباقي عند المنبع بعد انفصال ما كان يجب نزحه (4)، أو أنّه لا يطهر شيء منها إلّا بالنزح؟ (5) أوجه، أقواها الأخير، و بعده في القوّة الأوّل.
(1) لعموم مطهّرية الماء، و لو لقوله تعالى: (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً)[1] المراد منه- كما عرفت- الطاهر في نفسه المطهّر لغيره و غير ذلك، و يكفي في كيفية المطهّرية معلومية عدم اعتبار الزيادة على الامتزاج.
هذا، و عن المعالم الاستدلال على الطهارة بشيء آخر، قال: «أمّا على ما اخترناه من اشتراط الامتزاج بالمعنى الذي حقّقناه فواضح؛ فإنّ ماء البئر و الحال هذه يصير مستهلكاً مع المطهّر، فلو كان عين النجاسة [موجوداً] لم يكن له حكم، فكيف و هو متنجّس؟ و لا ريب أنّه أخفّ. و أمّا على الاكتفاء بمجرّد الاتّصال؛ فلأنّ دليلهم على تقدير تماميّته [2] لا يختص بشيء دون شيء؛ إذ مرجعه إلى عموم مطهّرية الماء، فيدخل ماء البئر تحت ذلك العموم، و الأمر بالنزح لا ينافيه؛ لكونه مبنياً على الغالب من عدم التمكّن من التطهير بغيره، و لو أمكن في بعض الموارد فلا ريب أنّ النزح أسهل منه في الأغلب أيضاً» [3] انتهى.
و فيه: أنّه لم يتّضح لنا مراده بالاستهلاك، و كيف! و قد تكون البئر أكراراً و الملقى كرّ واحد. و القياس على عين النجاسة قياس باطل؛ لظهور أنّ عين النجاسة مدار التنجيس فيها بقاء اسمها، و هو قد يزول و يستهلك بخلافه هنا.
فإن قلت: مدار النجاسة هنا أيضاً على كونه ماء بئر، فمتى زال عنه هذا الوصف بممازجته للمطهّر الغير القابل للنجاسة زال عنه النجاسة.
قلت: هذا حقّ، و قد أشرنا إليه سابقاً، لكن الكلام في خروجها عن ذلك دائماً بمجرّده.
فإن قلت: لا يكاد يخفى أنّه مع إلقاء الكرّ و ممازجته لا يصدق عليه أنّه ماء بئر فقط، و المعلوم من التنجيس إنّما هو إذا كان مجرّداً عن غيره.
قلت: بناءً على ذلك لو القي كرّ في البئر قبل التنجيس لم تقبل النجاسة حينئذٍ و تسقط جميع أحكامها من النزح و غيره، و هو بعيد. نعم، هو [الحكم بخروجها عن اسم البئر] متّجه فيما إذا وصلت بجارٍ، فإنّ الظاهر سقوط أحكام البئر. و مثله فيما لو وصلت براكد كثير لم يغلب عليه اسمها و كون مائه ماءها؛ لأنّ الأصل عدم أحكام البئر، و المعلوم من الأدلّة غير هذا الفرد، فتأمّل.
(2) لقوله (عليه السلام): «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر» [4]. و ما في رواية كردويه من النزح لماء الغيث [5] لا ينافيه؛ لظهوره في استصحاب عين النجاسة.
(3) لدخولها تحت اسم الجاري.
(4) لكون هذا الإجراء بمنزلة النزح.
(5) للشكّ في دخوله تحت اسم الجاري، و كون هذا الجريان بمنزلة النزح، و استصحاب النجاسة محكّم.