بل قيل: قوله: «و لا يخرج عن مسمّاها عرفاً» كذلك أيضاً:
أ- لأنّ العرف الواقع [في التعريف] لا يظهر أيّ عرف هو؟ أعرف زمانه (صلى الله عليه و آله و سلم) أم زمان غيره؟ و على الثاني فيراد [العرف] العامّ [1] أو الأعمّ منه و من الخاصّ؟
ب- مع أنّه يشكل إرادة عرف غيره (صلى الله عليه و آله و سلم) و إلّا لزم تغيّر الحكم بتغيّر التسمية، فيثبت في العين حكم البئر لو سمّيت باسمه و بطلانه ظاهر [2].
و فيه: أنّ العرف إذا اطلق ظاهر في إرادة العرف العامّ، و به تثبت الحقيقة اللغوية إن لم يعلم بمغايرتها [له]، و يقدّم على اللغوية إن علم ثبوتها على الأصحّ [3]. على أنّ ما ذكره هذا المعترض من التشقيق كلّه لا محل له في المقام؛ إذ ليس للبئر في زمانه معنى غير ما عندنا، لا عرفاً عامّاً و لا خاصّاً.
1/ 190/ 371
و كأنّ الذي حداه [المعترض] إلى ذلك هو إطلاق لفظ البئر على مثل آبار المشهد الغروي و الشامات في لسان أهل العرف، و هو غير العرف العامّ السابق، فأراد أن ينبّه على أنّه ليس المدار إلّا على زمانه (صلى الله عليه و آله و سلم).
لكنّك تعلم أنّ هذا الإطلاق لم يكن عند عامّة أهل العرف العام، بل كأنّ إطلاق من أطلق إنّما كان لمشاركته للبئر من جهة الحفر و وصوله إلى حدّ النبع و نحو ذلك ممّا يشارك بها البئر النابع. و قد يشير إلى ذلك قولهم: بئر جارٍ و بئر نبع، فتأمّل.
و الحاصل: أنّ الذي ينبغي: النظر إلى حال العرف في مثل هذا الزمان، فما يعلم حدوثه لا يلتفت إليه، و ما لم يعلم تعلّق به الحكم؛ لأنّه به يستكشف العرف السابق، و تثبت اللغة إن لم يعلم مغايرتها، و إلّا قدّم عليها على الأصح، فمثل الإطلاق في هذا الوقت على مثل آبار المشهد الغروي و غيره ممّا علم حدوثه لا يلتفت إليه و لا يتعلّق به حكم، و أمّا غيره فيبقى على القاعدة.
و احتمال المناقشة في حدوث هذا الإطلاق بأنّه قد يكون البئر سابقاً لما هو أعمّ ممّا ذكره المعرّف، لا وجه له؛ لاعتبار النبع فيه قطعاً.
نعم، قد يقال: إنّ الذي يقتضيه المنقول عن كثير من أهل اللغة من تفسير «النبع» بأنّه الخارج من عيون، بل قد يقتضيه التعليل بأنّ له مادة [4] عدم دخول البئر الذي يكون ماؤها رشيحاً، لعدم تبادر ذلك من المادة، و مثل ذلك فيما يكون مادّته من الثمد، مع أنّ الأصل عدم تعلّق أحكام البئر، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى الثمد؛ لعدم النبع فيه لغة و عرفاً.
لكن الأقوى جريان حكم البئر على الرشيحية؛ لإطلاق اسم البئر [عليها] عرفاً فيقدّم على اللغة، مع أنّ المنقول عن صاحب الصحاح [5] تفسير النبع بمطلق الخروج. و قد تقدّم لنا في الجاري ما يظهر منه ترجيح ذلك.
[3] في هامش المطبوعة ورد ما يلي: «لحصول الظنّ بعدم حدوث هذا المعنى العرفي العام بعدهم- (صلوات اللّٰه و سلامه عليهم)- بحيث تطابق أهل العرف العام على ذلك و حصل مثل هذا التغيّر في مثل هذه المدّة، و بذلك ينقطع أصالة تأخّر الحادث الذي هو مستند تقديم اللغوية، و لتحقيق ذلك مقام آخر»، (منه (رحمه الله)).