نعم، يقع الكلام في مصبّها و محطّ ورودها، و إن كان خارجاً عن حريم معناها:
فنقول: إنّ من الواضح الذي لا ينبغي الارتياب فيه، أنّ البعث لغاية انبعاث المخاطب نحو مدلول المادّة، و واضح: أنّه لا يعقل الانبعاث إلّا في حال الاختيار؛ ضرورة عدم إمكان انبعاث الغافل نحو المغفول عنه و الناسي نحو المنسي عنه، و هكذا بالنسبة إلى الأوامر الاضطرارية.
و لا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك من باب الخطاب أو جعل القانون. كما لا فرق في ذلك بين أن يكون بعنوانه الأوّلي أو بالعنوان الملازم له.
و السرّ في ذلك: هو استحالة انفكاك الانبعاث عن الاختيار.
فاتّضح بما ذكرنا: أنّ مصبّ الهيئة و مجراها هو اختيار المنبعث فقط، و معه لا مجال للتمسّك بإطلاق المادّة؛ إذ هي و إن كانت مطلقة في نفسها و لكن بعد لحاظ خصوصية مصبّ الهيئة و مجراها تسري تلك الخصوصية إليها؛ فلا يبقى لإطلاقها مجال، لا بأن يكون من باب تقييد الإطلاق، بل لعدم انعقاد الإطلاق لها؛ إذ هو مسبوق بعقد البيان. و القرينة الحافّة بها و إن كانت عقلية و لكن حيث إنّ المقام محفوف بها- لقضاوة العقل السليم باستحالة الانبعاث في غير حال الاختيار- فلا ينعقد الإطلاق أصلًا، لا أنّه ينعقد الإطلاق فيقيّد، فتدبّر. هذا إجمال الكلام حول الأصل اللفظي.
فظهر: أنّ غاية ما يستفاد من توجّه الخطاب إلى المخاطب أو جعل القانون هو إتيان المتعلّق حال الاختيار.
الجهة الثانية: في مقتضى الأصل العملي في المسألة
إذا لم يكن إطلاق في الخطاب، و شكّ في المسألة فالحقّ هو البراءة؛ لدوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر؛ إذ لا يعلم أنّ الواجب هو نفس الطبيعة و إن صدرت من غير اختيار، أو الطبيعة المقيّدة بقيد الاختيار، فينفى القيد المشكوك فيه.