و أمّا على الصورة الثالثة: فلا يصحّ أيضاً، لخروج فعل الغير عن القدرة و الاختيار؛ إذ لا يعقل أن يجب على زيد فعل عمرو.
و هكذا على الصورة الرابعة و الخامسة؛ إذ كما أنّ فعل الغير ليس داخلًا في حريم القدرة فلا يعقل إيجابه مستقلًاّ، كذلك لا يصلح قيداً و لا شرطاً للتكليف المتوجّه إلى الشخص.
فتحصّل: أنّه لا يمكن جعل الاستنابة أحد شقّي التخيير- بأيّ معنىً كان التخيير- إذ لسنا الآن بصدد تحقيق معنى التخيير من كون الوجوب فيه مشروطاً بعدم فعل ذلك الآخر أو غيره.
هذا مجمل الكلام في التخيير.
و أمّا الاشتراط؛ بأن يكون الوجوب مشروطاً بعدم فعل الغير- كما زعمه المحقّق النائيني (قدس سره) في التبرّع- فلا يعقل أيضاً؛ إذ التبرّع فرع ثبوت الوجوب على المتبرّع منه، فلو كان ثبوته عليه مشروطاً بعدم التبرّع للزم الدور.
و هكذا الكلام في مقال المحقّق العراقي (قدس سره)؛ إذ لا تفاوت بين كون الوجوب في ظرف عدم فعل الغير، أو مشروطاً بعدمه فيما هو المهمّ في المقام؛ لأنّ فعل الغير- على أيّ تقدير- لإسقاط ما على المخاطب بالحجّ مثلًا، لا أنّه فعل مستقلّ بنفسه. فاتّضح:
أنّه (قدس سره) لم يأت بما يفيد و يجدي.
فتحصّل: أنّ العقل في مثل جواز الاستنابة إن كان لها مورد إذا لاحظ كيفية تشريع الشارع الحجّ- مثلًا- و عمله في مقام الجعل لا يرى إلّا حكماً واحداً؛ و هو وجوب الحجّ متعلّقاً على شخص خاصّ- و هو المستطيع- من دون أن يكون فيه تردّد بينه و بين غيره- كالاستنابة- أو اشتراط و تعليق على عدم فعل الغير، أو في ظرف عدم فعل الغير.