و الناظر إلى هذا الوجه لا يدّعي أنّ حكم العقل بلزوم الاحتياط في المقام بيانٌ؛ فينتفي معه موضوع البراءة ليورد عليه باستلزام ذلك الدور، كما قرّر في محلّه.
بل هو يدّعي قصور دليل البراءة النقلية عن شمول مثل المورد.
نعم، ذلك مخصوص بالقيود غير المغفول عنها غالباً؛ ليصحّ الاتّكال على حكم العقل، كالمقام فإنّ قيد الدعوة فحيث إنّها ملتفت إليها- حسب الفرض- فيجوز للحكيم أن يتّكل في مقام استيفاء غرضه منها على حكم العقل بلزوم الاحتياط في مورد الشكّ في شيء منها [1]
. و فيه: أنّه لا وجه لدعوى قصور أدلّة البراءة النقلية أصلًا، و لا انصرافها عنه بعد كون الموضوع قابلًا للوضع و الرفع؛ و ذلك لأنّ الانصراف لا بدّ له من منشأ معتدّ به، و الظاهر عدمه.
ثمّ إنّه لو صحّ دعوى الانصراف فالأولى دعواه بالنسبة إلى ما لا يحكم العقل بالاشتغال، بل يحكم بقبح العقاب بلا بيان؛ لأنّ ظاهر الخطاب هو المولوية و التأسيس، لا الإرشاد و التأكيد.
و بالجملة: يمكن دعوى الانصراف في نحو حديث
«رفع عن امّتي تسعة:
- إلى أن قال-
ما لا يعلمون ...»
إلى آخره [2]، الذي هو الدليل المعتمد عليه في البراءة النقلية؛ إذ ظاهره الامتنان على الامّة، و هو إنّما يلائم الموارد المحكوم عليها بالاشتغال. و أمّا الموارد التي يحكم العقل الصريح بقبح العقاب فيها فالمسلم و غيره فيه شرع سواء، هذا.