فالتكليف يتوقّف على قدرة العبد لا محالة، و قدرة العبد يتوقّف على التكليف حسب الفرض؛ لأنّه لو لا الأمر و التكليف لما أمكن قصد الأمر الذي هو من قيود المأمور به، و هذا دور.
و سرّ عدّ هذا الوجه للامتناع بالغير: هو أنّه لو لا ملاحظة قدرة المكلّف المتوقّفة على التكليف لا استحالة له في نفسه.
و فيهما: أنّ الوجهين يرتضعان من ثَدي واحد؛ و ذلك لأنّ توقّف فعلية الأمر و التكليف على فعلية موضوعه و بالعكس ليس من توقّف المعلول على علّته، و كذلك الأمر في القدرة؛ لأنّ العقل إنّما يحكم بمحالية التكليف الفعلي بالعاجز في ظرف الامتثال. و محاليته لا تكون لأجل لزوم الدور، بل لأجل عدم القدرة على الامتثال في التكليف.
و بالجملة: مرجعه إلى محالية التكليف الفعلي بغير القادر.
و حاصل جواب الوجهين: هو أنّ فعلية الأمر و التكليف و إن كانت متوقّفة على فعلية المتعلّق بتمام قيوده، إلّا أنّه إذا صار بعض القيود معلّقاً بنفس الأمر و التكليف فلا محذور.
و لازمه في المقام حصول الأمر حتّى يتمكّن من قصده، و إن كان حصوله بمجرّد الأمر و التكليف. كما أنّ اللازم في المثال المفروض حصول الكعبة حين إتيان الصلاة حتّى يمكن الاستقبال إليها.
و الأمر و التكليف لا يتوقّف على قدرة العبد حين الأمر و التكليف، و إنّما يتوقّف على قدرته حين العمل و الامتثال، و المفروض أنّها ستوجد.
الوجه الثالث- و هو عمدة الإشكال في هذه المرحلة، و هو ما أفاده المحقّق الخراساني (قدس سره)- و حاصله: أنّ تصوّر قصد الأمر في المتعلّق و إنشاء البعث و نحوه و إن كان بمكان من الإمكان إلّا أنّه لا يكاد يمكن الامتثال؛ لا بالنسبة إلى أصل الطبيعة