لا ينبغي الإشكال في وقوع الاشتراك، و هو من الوضوح بمكان لا يستريب فيه أحد؛ لما ترى من وجود ألفاظ مشتركة في اللغات الحية العالمية؛ خصوصاً في لغة العرب، التي هي المقصد الأسنى و الغاية القصوى من هذه المباحث. و لعلّه لوضوح الأمر لم يتعرّض سماحة الاستاذ- دام ظلّه- لهذه الجهة.
الجهة الثالثة: في كيفية وقوع الاشتراك و منشأ حصوله
و يظهر فيها سرّ وقوع الترادف.
قد يشكل في وقوع الاشتراك و الترادف في اللغة: بأنّه لأيّ سببٍ وضعت لفظة «العين» مثلًا لسبعين معنىً، و لم توضع لفظة اخرى إلّا لمعنىً واحد، مع أنّ دلالة الألفاظ لم تكن ذاتية؟ و لأيّ سببٍ وضعت للأسد أو الجَمَل- مثلًا- ألفاظ كثيرة، و لم توضع للإنسان، مع أنّه أشرف المخلوقات؟ و الاعتبار يساعد وضع ألفاظ كثيرة لما يكون أشرف.
و الذي أظنّه في ذلك: هو أنّ الامم- و منهم الأعراب مثلًا- كانوا في ابتداء الأمر طوائف و قبائل منتشرة في فسيح الأرض لم ترتبط إحداها بالأُخرى، فلم تكونوا مرءوسي رئيس واحد و مطاع أمير فارد، بل كانوا ملوكاً و طوائف متعدّدين، و كان لكلّ طائفة و قبيلة واضع أو واضعون تخصّها. فوضع كلّ طائفة ألفاظاً لمعاني بمقدار احتياجاتها إلى تفهيمها و تفهّمها؛ قلّةً و كثرةً.
ثمّ بعد لحوق الطوائف بعضها ببعض، و مقهورية طائفة و قاهرية الاخرى،