و السرّ في ذلك: هو أنّ أصالة الحقيقة من الاصول المرادية، و هي جارية في مورد الشكّ في المراد، لا في إحراز المعنى الحقيقي بعد العلم بالمراد، كما فيما نحن فيه، فتدبّر.
ذكر و إرشاد
و لا يخفى: أنّ ما ذكرناه كأنّه لا سترة فيه، إلّا أنّ للمحقّق العراقي (قدس سرهم)قالًا لا ينبغي صدوره منه؛ فإنّه- بعد أن اختار: أنّ لفظ الأمر حقيقة في مطلق الطلب؛ لصدق الأمر على طلب العالي بلا عناية، و لو كان بنحو الندب، و أيّده بتقسيمه إلى الوجوب و الندب- قال: لا شبهة في ظهوره حين إطلاقه في خصوص الطلب الوجوبي؛ بحيث لو اريد به الاستحباب لافتقر إلى قرينة، و هذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه. و إنّما الإشكال في منشأ الظهور، بعد كون الوضع لمطلق الطلب.
ثمّ تفحّص عن منشأ الظهور: بأنّه هل لغلبة الاستعمال في الوجوب، أو هو قضية الإطلاق و مقدّمات الحكمة؟
و ردّ الوجه الأوّل مستشهداً بكثرة استعماله في الاستحباب، كما صرّح بذلك صاحب «المعالم» (قدس سره) [1]، و اختار الوجه الثاني.
[2]- قلت: و حاصل الوجه الأوّل: هو أنّ الطلب الوجوبي هو الطلب التامّ الذي لا حدّ له من جهة النقص و الضعف، بخلاف الطلب الاستحبابي فإنّه مرتبة من الطلب المحدود بحدّ النقص و الضعف.
و لا ريب في أنّ الوجود غير المحدود لا يفتقر إلى البيان و الإشارة إليه أكثر ممّا يدلّ عليه، بخلاف الوجود المحدود فإنّه مفتقر إلى بيان حدّه، كما هو مفتقر إلى أصله. و على هذا يلزم حمل الكلام الذي يدلّ على الطلب على ما لا حدّ له- و هو الوجوب- كما هو الشأن في كلّ مطلق.
و حاصل الوجه الثاني: هو أنّه لا ريب في أنّ كلّ من يطلب أمراً من غيره فإنّما يأمره به لأجل إيجاده في الخارج؛ فلا بدّ و أن يكون طلبه إيّاه في حدّ ذاته لا قصور فيه في مقام التوسّل إلى إيجاده.
و ليس ذلك إلّا الطلب الإلزامي الذي يستلزم امتثاله الثواب و عصيانه العقاب. و لو كان هناك ما يقتضي قصوره عن التأثير التامّ في وجود المطلوب- و لو لقصور المصلحة الموجبة لطلبه، أو المانع عنها- لوجب أن يطلبه بتلك المرتبة؛ فإن أشار إليها في مقام البيان فهو، و إلّا فقد أخلّ في بيان ما يحصل به غرضه.
فعليه: يكون إطلاق الأمر دليلًا على طلبه الذي يتوسّل به الطالب إلى إيجاد مطلوبه بلا تسامح فيه، و ليس هو إلّا الطلب الوجوبي.
ثمّ قال (قدس سره): فاتّضح ممّا ذكرنا: أنّ مادّة الأمر و إن لم تكن حقيقة في الوجوب و لكن بمقتضى الوجهين تكون ظاهرة فيه (أ)، انتهى ملخّصاً [المقرّر حفظه اللَّه].