بعد ما عرفت: أنّ مادّة الأمر موضوعة لمفهوم جامع منتزع من الهيئات الصادرة من العالي المستعلي، فيقع الكلام في أنّ الموضوع له هل هو الجامع المنتزع من الهيئات الصادرة منه على نعت الوجوب و الإلزام، أو مطلق ذلك، و إن لم يصدر على نعت الوجوب؟ وجهان؛ و ليعلم: أنّ عمدة الدليل في المسألة هي التبادر- بل هو الدليل الوحيد في أمثال ذلك، كما تقدّم منّا مكرّراً- و الظاهر تبادر الجامع المنتزع من الهيئات الصادرة من العالي المستعلي على نعت الوجوب من مادّة الأمر.
و ربّما يستدلّ لهذا القول بقوله تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»[1]، و بقوله (صلى الله عليه و آله و سلم):
«لو لا أن أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسواك»
[2]؛ حيث يكون ظاهراً في أنّ الأمر يوجب المشقّة و الكلفة، و هذا مساوق للوجوب، دون الاستحباب.
مضافاً إلى أنّ الطلب الاستحبابي وارد في السواك، فلو كان ذلك كافياً في صدق الأمر لما صدر منه (صلى الله عليه و آله و سلم) ذلك الكلام.
إلى غير ذلك من الآيات و الروايات، إلّا أنّها مؤيّدات في المسألة، كما نبّه عليه المحقّق الخراساني (قدس سره) [3]؛ لأنّها لا تزيد عن الاستعمال، و الاستعمال أعمّ من الحقيقة. و الاستعمال إنّما يكون علامة الحقيقة فيما إذا علم المعنى الموضوع له و لم يعلم إرادته من اللفظ، لا فيما إذا علم المراد و شكّ في أنّ المعنى المراد معنىً حقيقي أو مجازي.