«العالم» تفيد كثرة مدخوله، و من الواضح أنّ «الدار» تدلّ على المكان المعهود، فلفظة «في» لم تستعمل في الجامع بين الكثيرين، بل في فرد ينحلّ بنظر العرف إلى الكثيرين، و كم فرق بينهما!
و إن شئت قلت: إنّ ذلك من باب استعمال اللّفظ في الأكثر من معنىً واحد، و هو غير استعمال اللّفظ في الجامع بين الكثيرين، و كم فرقٍ بينهما!
و لتوضيح ذلك نقول: إنّه إذا بدّلت قولنا: «كلّ عالم في الدار» ب «زيد في الدار» ترى أنّه لا فرق بين القضيّتين إلّا بوجود كلمة تدلّ على الكثرة الإجماليّة، و هي لفظة «كلّ» في القضيّة الاولى، و عدمها في الاخرى، فلم تستعمل لفظة «في» في الاولى في الجامع، كما لم تستعمل في الثانية فيهما، بل استعملت في فرد ينحلّ- بنظر العرف- إلى الأفراد.
و بعبارة اخرى: استعملت في أكثر من معنىً واحد.
نعم: لو كانت «في الدار»- في القضيّة- قيداً للموضوع، و من متعلّقات المسند إليه، و كان الخبر شيئاً آخر كالقاعد مثلًا؛ فأن تقول: «كل عالم في الدار قاعد»، كان لتوهّم الاستعمال في الجامع مجال، مع أنّ الحقّ فيه أيضاً خلافه؛ ضرورة أنّ الربط مطلقاً و إن كان ربطاً ناقصاً،- كما في المثال الجامع المنقطع عن الأطراف- لا يعقل أن يكون رابطاً بين شيئين، فلا يمكن أن يربط بين الموصوف وصفته، فتدبّر.
المورد الثالث:
في نحو قولنا: «سر من البصرة إلى الكوفة»؛ حيث يكون الشخص مأموراً بابتداء السير من أيّ نقطة من البصرة، و انتهاء مسيره إلى أيّ نقطة من الكوفة، فتكون لفظتا «من» و «إلى» مستعملتين في طبيعة الابتداء و الانتهاء القابلتين للصدق على الكثيرين، و لذا يجوز للمأمور الابتداء بالسير من أيّ نقطة من نقاط البصرة و الانتهاء