الأمر الثاني: اندفاع الإشكال المتقدّم في الصحيحة الاولى لزرارة [1]: و هو أنّه يظهر من بعض جُملها: أنّ الجاري هو استصحاب الوضوء، و بعضها الآخر مشعر بأنّه استصحاب عدم النوم، و من الواضح أنّ الشكّ في بقاء الوضوء مسبّب عن تحقّق النوم و عدمه: فإن اريد استصحاب الوضوء فقط فهو مخالف لما تقرّر: من أنّ الأصل السببي مقدّم على الأصل المسبّبي، و لا مجال لجريان الأصل المسبّبي معه، و إن اريد جريانهما معاً، فهو أيضاً مخالف لما تقرّر و ثبت من أنّهما لا يجريان معاً.
و تقدّم الجواب عن هذا الإشكال عند التعرّض له: بأنّ الإمام (عليه السلام) في هذه الرواية في مقام بيان الحكم الشرعي و وظيفة الراوي، لا إعمال الصناعة العلميّة و الدقائق الاصوليّة.
و لكن يظهر ممّا ذكرنا هنا في المقام: اندفاع هذا الإشكال رأساً، فإنّ الأصل في جانب السبب إنّما يقدّم إذا كان هناك كبرى شرعيّة ينقّح به موضوعها، و هي مفقودة في المقام، فإنّه لم يرد في الشريعة: أنّه كلّما لم يتحقّق النوم فالمكلّف على وضوء، بل الوارد في الشريعة: أنّ النوم و غيره من الأحداث نواقض للوضوء، فما لم يعلم بتحقّقه فالوضوء باقٍ تعبّداً، فالأصل في جانب السبب- أي عدم النوم- لا يجري أصلًا لعدم ترتّب الأثر الشرعي عليه.
أمّا الموضع الثاني:
حول ما كان الشكّ فيهما ناشئاً عن ثالث
فهو ما لو كان الشكّان في الاستصحابين مسبّبين عن ثالث، و لم يكن أحدهما
[1]- تهذيب الأحكام 1: 8/ 11، وسائل الشيعة 1: 174، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1.