و ينقلب الحكم الواقعي؛ لأنّه- حينئذٍ- مغلوب للحكم الذي هو مؤدّى الأمارة، و أنّ الحكم الفعلي هو ما أدّت إليه الأمارة، فهو عين ما نُسب إلى المعتزلي من التصويب الباطل، الذي قام الإجماع و ادُّعي تواتر الأخبار على خلافه.
و ثانياً: ليس للشارع جعل مستقلّ في الأمارات، بل معنى حجّيّة الأمارات شرعاً هو إمضاء الشارع لطريقة العقلاء و بنائهم على العمل بها، و ليس حجّيّتها شرعاً إلّا بما هي حجّة عند العقلاء، و لا ريب في أنّ بناء العقلاء عليها ليس إلّا لمجرّد أنّها طريق إلى الواقع و كاشفة عنه، لا لأجل ترتُّب مصلحة على سلوكها و نفس العمل بها، فلا يناسب ما أفاداه هنا ما ذكراه- في أنّ وجه حجّيّتها هو بناء العقلاء عليها- مع أنّ كثيراً من رواة أخبارنا من النواصب أو الواقفيّة الذين بعضهم من النواصب بالنسبة إلى الأئمة الذين هم بعد من وقفوا عليه (عليه السلام) لكنّهم موثَّقون من حيث الصدق و الكذب، و أيّ معنىً لترتّب المصلحة على الاعتماد على أخبار هؤلاء و الاعتناء بهم.
و ثالثاً: لو كان الأمر كذلك فلا بدّ و أن يُلتزم به في الإخبار عن غير الأحكام الشرعيّة من المطالب الدنيويّة، مع أنّهما لا يلتزمان بذلك.
و رابعاً: لو تمّ ذلك لجرى في جميع الأمارات، حتّى الدالّة على الاستحباب أو الكراهة أو إباحة شيء، فلا بدّ أن يجب العمل بها، فلا يوجد المباح و المستحبّ- حينئذٍ و يحرم العمل على الأمارة الدالّة على كراهيّة شيء؛ لترتّب مصلحة مُلزمة على سلوك الأمارات كلّها أو مفسدة كذلك.
هذا كلّه بالنسبة إلى لزوم اجتماع المصلحة و المفسدة.
و أمّا إشكال لزوم اجتماع الضدّين من التعبُّد بالأمارات، فتوضيحه: أنّه إن كان حكم صلاة الجمعة واقعاً هو الحرمة، و قامت الأمارة على وجوبها أو استحبابها أو غيرهما من الأحكام، يلزم اجتماع الوجوب و الحرمة في صلاة الجمعة واقعاً أو