و الحاصل: أنّ العمدة في أدلّة حجّيّة خبر الواحد هو بناء العقلاء عليه في أفعالهم، و أنّ الشارع- أيضاً- أمضى هذا البناء و أنفذه، و لم يردعهم عنه؛ أ فتزعم أنّ ذلك منهم (عليهم السلام) تأسيس للحكم بحجّيّة خبر الواحد، و أنّه لم يكن حجّة عند العقلاء و لم يكن بنائهم على العمل به، بل يقتصرون في أعمالهم على الاعتماد على القطع فقط؟! حاشا و كلّا، فإذا ثبت أنّ الدليل على حجّيّة خبر الواحد هو بناء العقلاء على ذلك، فهل عملهم عليه بعد تنزيلهم له منزلة القطع أوّلًا، ثمّ العمل على طبقه، و أنّ إحراز الواقع عندهم أوّلًا و بالذات إنّما هو بالقطع، و إحرازه بالأمارات لقيامها مقامه و تنزيلها منزلته؟ لا ريب في أنّه ليس كذلك، بل عملهم به إنّما هو لأجل أنّه إحدى الطرق و الكواشف عن الواقع في عرض القطع و في قباله، كما يشهد به الوجدان، و نراه بالعيان.
و العجب منه (قدس سره) مع اعترافه: بأنّ الدليل على حجّيّة خبر الواحد ليس إلّا بناء العقلاء عليه [1]، ذهب إلى حكومته على الأحكام الواقعيّة حكومة ظاهريّة [2]، مع أنّ الحكومة تفتقر إلى اللسان؛ ليكون ناظراً إلى دليل آخر و شارحاً له، و ليس لبناء العقلاء لسان كذلك، فما أفاده من أنّ حجّيّة خبر الواحد عبارة عن جعل المؤدّى، أو جعل الحجّيّة و الطريقيّة، و نحو ذلك، فليس في أدلّة الأمارات ما يدلّ على ذلك أصلًا.
هذا كلّه بالنسبة إلى خبر الواحد، و منه يظهر الحال في حجّيّة قول اللُّغَوي، و ظاهر الكتاب، و أصالة الصحّة في فعل الغير، فإنّ الدليل على جميع ذلك هو بناء العقلاء ليس إلّا، و ليس حجّيّتها تأسيساً من الشارع.
ثمّ إنّ ما أفاده: من تقسيم الحكومة إلى الظاهريّة و الواقعيّة غير مستقيم أيضاً؛